الحراك الفرنسي.. رئاسي ونفطي

19 سبتمبر 2022
الحراك الفرنسي.. رئاسي ونفطي


تعمل الديبلوماسية الفرنسية في لبنان منذ الاسابيع الماضية من دون ضجيج، وبعكس المرحلة الأولى من الإندفاعة الفرنسية الى الساحة اللبنانية بعد إنفجار مرفأ بيروت. وتكثّفت الديبلوماسية تدخلاتها وتواصلها مع القوى السياسية الفاعلة بهدف وضع أسس لكيفية إدارة المرحلة المقبلة.
 
الحراك الظاهر للفرنسيين هو الزيارات التي تقوم بها السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو الى المرجعيات السياسية والروحية من أجل الخوض في عملية تشاورية واسعة وتحديد الأولويات الفرنسية في لبنان، خصوصاً ان باريس لديها مصالح واسعة في  دول الساحل الشرقي للبحر المتوسط اذ تقوم بمحاولات جدية لفتح باب التقارب مع دمشق.
 
الأولوية القصوى للفرنسيين في لبنان هي منع الذهاب الى الفوضى على اعتبار ان الوصول الى لحظة التفلت الكامل سيؤثر على كامل المصالح الفرنسية في البلد انطلاقاً من منع تحول الشواطئ اللبنانية الى منصات انطلاق للمهاجرين غير الشرعيين الى اوروبا, ووصولا الى التنقيب والاستخراج من بلوكات الغاز اللبنانية.
 
تبدو باريس معنية بشكل كبير بملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة نظرا لأهمية الغاز الذي سيتم استخراجه من اسرائيل ونقله الى اوروبا لتخفيف حدة الازمة الناتجة عن الحرب الاوكرانية الروسية، وكذلك بسبب الحصة الوازنة لشركة توتال الفرنسية في استخراج الغاز من المياه اللبنانية مع ما يعنيه ذلك من فوائد مالية وإقتصادية.
 
من هنا تسعى باريس الى لعب دور جدي في المفاوضات البحرية وتساهم في اعطاء الضمانات للبنان بشكل مباشر او عبر شركة توتال،مستفيدةً من قدرتها على التواصل مع جميع الافرقاء بمن فيهم “حزب الله” الذي بات على تواصل دوري ومتعاظم مع الدولة الفرنسية. هكذا تحاول باريس منع التصعيد وإدخال لبنان ضمن مسار التسويات في المنطقة.
 
كذلك يتدخل الفرنسيون بشكل لافت بالاستحقاق الرئاسي، اذ تحاول باريس تجنب الفراغ والفوضى الدستورية والسياسية, لان الامر قد يؤدي الى تسارع استثنائي في حدة الإنهيار وبالتالي حصول انفجار إجتماعي يؤثر على الواقع الامني في البلد المحاذي نسبيا للقارة الاوروبية مع ما يعنيه الأمر من موجات نزوح وهجرة لا تتحملها الدول الاوروبية اليوم.
 
بعكس ما يشاع، يتعامل الفرنسيون مع تفاصيل الاستحقاق الرئاسي ولا يكتفون بالعموميات، وإن كانوا يتجنبون الاسلوب الحاد لعدم نجاحه، ولديهم مرشحون مفضلون ويعملون على لائحة مواصفات للرئيس المقبل وهذا ما يبلغون به القوى والمرجعيات التي يلتقون بها.
 
وفي الخلاصة، لا يبدو ان باريس راغبة في خسارة الدور الذي عادت للعبه في لبنان بل تعمل بشكل مكثف على تكريسه من دون ان تأخذ طرفاً في الإشتباك السياسي السائد.