قد يكونُ مُمكناً لرئيس الجمهوريّة ميشال عون بعد انتهاءِ ولايتهِ الرئاسيّة يوم 31 تشرين الأول المقبل، أن يتربّع مُجدداً في صفّ المعارضة السياسية، مُواجِهاً، مناوئاً ومُنافساً لكلّ من استهدفه خلال 6 سنوات. عندها، سيُصبح الكباش السياسي أسهلَ وأعمَق بالنسبة له، إذ سيكون التحرّر من قبضة “الصلاحيات والرئاسة” قد تحقّق، وبالتالي سيُصبح التصدّي للآخرين متاحاً بشكلٍ أكبر.
حُكماً، من راقَب مسار عون خلال سنوات عهده، إنّما سيستنتجُ أمراً أساسياً يُحسب له بقوة، وهو أنّه كان مُهادناً في أكثر الأوقات. وبمعنى آخر، فإن “الجنرال” استبدَل النّفس الهجومي الذي كان يتحلّى به حينما كان نائباً ورئيساً للتيار “الوطني الحر”، بالنّفس الأكثر اتزاناً والبعيدِ عن المُواجهة الكلامية اللاذعة. وحتماً، الأمرُ هذا تمسّك به عون بشكل واضحٍ حتى وإنْ كان شعار “الرئيس القوي” قد ارتبط به، لكن في المقابل، فإنّ من تولّى زمام المواجهة على أكثر من صعيد هو “الوطني الحر” الذي بات يتوقُ بقوّة وصلابة إلى شخصيّة عون الجامعة له والمُساهمة في تماسكه وتزايدِ نفوذه.
ماذا سيفعل عون بعد مغادرته بعبدا؟
في بادئ الأمر، فإنّ أكثر من يُنتظر اليوم يرتبط بطبيعة الخطوات التي سيفعلها عون بعد خروجه من قصر بعبدا. من جهة، تُرجّح بعض المصادر أن يُغادر عون إلى فرنسا لقضاءِ فترة نقاهة، في وقتٍ تشيرُ أوساط أخرى إلى أن دور عون على صعيد تيّاره بات مطلوباً أكثر من أيّ وقتٍ مضى. فعلى أصعدةٍ عديدة، يمكن لعون أن يُساهم في تكريس “نفضة” جديدة داخل التيّار حينما يعود إلى ترؤّس اجتماعاته. في الظاهر، قد لا يبدو لدى عون أي اعتراضٍ علنيّ على ما يجري داخل “الوطني الحر”، لكنّ قد تكون لديه بعض المآخذ على ما شهده حزبُه من تراجعات نيابية و سياسيّة.
ما لا يُمكن إغفالُه أبداً هو أنه منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم، لم يعهد لبنان أيّ عودة لرئيس جمهورية سابق باتجاهِ حزبه الواسع والعريض. حقاً، التجربة هي الأولى من نوعها، إذ لم تحصل من قبل أقله خلال السنوات الـ30 الأخيرة. فعلى صعيد الرؤساء الياس الهراوي، إميل لحود وميشال سليمان، فإن خروجهم من بعبدا لم يقترِن بالعودة إلى جبهةٍ سياسيّة كبيرة وواسعة يُمكنهم من خلالها خوض معارك جديدة لـ”تصفية حساباتٍ سياسية” معينة أو للعبِ أدوارٍ جديدة بشأن استحقاقات مقبلة.
بشكلٍ أو بآخر، قد يُصبح عون من جديد عرّاباً وصانعاً جديداً لرئيس الجمهوريّة المُقبل، إذ سيطرحُ شروطه ويرفع مستويات التحدّي ويفرض أوراق قوّته. هنا، يُمكن أن يساهم عون في إرساء معادلة جديدة قد تؤدّي به لأن يكون المُفاوض الأول سياسياً في موضوع الرئاسة بدلاً من صهره رئيس “الوطني الحر” النائب جبران باسيل. فمن جهة، قد يعتقد البعض هذا الأمر بمثابة إقصاءٍ للأخير بينما قد يراه آخرون بمثابة أمرٍ طبيعي في ظلّ حُكمٍ مستمرٍ حزبياً وسياسياً.
حتى الآن، فإنّ التصوّر الأول لطروحات عون يقترنُ بتزكية الأخير لاسم باسيل لرئاسة الجمهوريّة. في الواقع، الأمرُ هذا واردٌ تماماً ولا يُمكن نفيُه من الواقع. إلا أنه في المقابل، قد تكون هناك “مُفاجآت عونيّة” بشأن لعبة الرئاسة بعيداً عن باسيل، وهذا الأمرُ يرتبطُ بما ستفرضه العلاقات السياسية التي يحظى بها عون، وتحديداً مع حليفه الأساسي “حزب الله”. كذلك، قد تكون تلك المُفاجآت والخطوات مُقترنةً بأي تسويةٍ قد ينخرط بها عون ليكون عرّابها، والتي من شأنها أن تُمهّد لتحقيقِ عهدٍ رئاسي جديد بدعمٍ يكرسه “الوطني الحر” بتوجيهات من “الجنرال”، وقد بدأت الإشارات تظهر على هذا الصعيد في أكثر من اتجاه.
فعلياً، قد يكونُ التريّث على الصعيد الرئاسي بالنسبة لحارة حريك على ارتباطٍ وثيقٍ بما سيُقرره عون بعد مُغادرته قصر بعبدا، باعتبار أن الأخير سيعود قُطباً سياسياً وازناً لا يُمكن اغفال رأيه أو تهميش موقفه أو كسرِ قواعد حزبه السياسية والشعبيّة. وأمام هذا السبب الوجيه سياسياً، قد يكون الحزب اختار تقديم ملف تشكيل الحكومة إلى الواجهة لاعتبارين: الأول وهو عدم استفزاز عون لاحقاً بحكومة تصريف أعمال لا يريد الأخير أن تكون هي الأساس في حال حصول شغور رئاسي. أما الاعتبار الثاني فهو أن الحزب لا يريد أن يتخطى عون بعد الشغور وذلك من أجل رسم التسوية معه. ولهذا، فإن ما يتبين وحتى الوقت الراهن هو أن الاستحقاق الرئاسي “قد” يشهد تأجيلاً إلى ما بعد انتهاء ولاية عون ريثما يكتمل المشهد السياسي، وعندها يُبنى للحسم قرار!