شهادات مؤلمة عن فاجعة زورق الموت.. ما قيلَ يكشف هول الحادثة الخطيرة!

24 سبتمبر 2022
شهادات مؤلمة عن فاجعة زورق الموت.. ما قيلَ يكشف هول الحادثة الخطيرة!


يلفّ الحزن العميق مخيم “نهر البارد” للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان. بعض البيوت اتشحت بالسواد، وقد تأكدت من وفاة أحد أفراد العائلة أو أكثر، في حادثة غرق المركب الذي غادر لبنان باتجاه إيطاليا قبل أيّام، لكن الأمواج قذفته قبالة السواحل السورية.

 
وكان المركب يضمّ مهاجرين لبنانيين، سوريين وفلسطينيين. وفي ما خصّ الأشخاص الذين ينتمون إلى مخيم نهر البارد، فإنّ عددهم يناهز الـ25 شخصاً من أصل 120 أو 170 مهاجراً، علماً أن عدد الرّكاب الكلي ما زال غير محدّد. 
 
وبدأ العثور على جثث الركاب الغارقين في البحر قبالة ساحل طرطوس بعد ظهر يوم الخميس، وبلغ عدد الضحايا حتى كتابة هذه السطور، 80 جثماناً.
 
العددُ المشار إليه يكشف عنه الشيخ هيثم السّعيد، الذي ما زال يبحثُ عن أخيه الأصغر عبد الله السعيد الذي فَقَدَ عمله وأمله، وغادر مع من غادروا.
من عزاء إلى آخر، يتنقل الشيخ هيثم السعيد في المخيم، يتابع أخبار الناجين بقلق، بانتظار أن يرد اسم شقيقه، الذي ترك خلفه زوجة وثلاثة أولاد، ويقول لصحيفة “الشرق الأوسط”: “لم يأخذ عائلته معه، لكنه كان يشعر بشيء من الأمان لأن قبطان المركب اصطحب معه زوجته وأولاده وأخته، وثمة صلة قرابة تربط زوجة أخي بهم، وهم جميعهم بمن فيهم القبطان لم يعثر عليهم”.
ومع أن الأخبار تقول إن القبطان هرب حين وقعت الواقعة، إلا أن السعيد يعتبر أن الشائعات كثيرة، وأن العائلة بأكملها على الأرجح هي في عداد المفقودين.
ينفي السعيد علمه بنية أخيه الهرب بهذه الطريقة، وهو على أي حال لم يكن ليرتعد، ويضيف: “اليأس يجعل الإنسان ينسى الخطر. المركب لم يكن ملائماً إذ كان غير صالح للسفر وقطع مسافة كبيرة، وقد تمكن القبطان من الوصول إلى خارج المياه الإقليمية اللبنانية، لكن الزورق هناك تعرض لضربات كثيرة بسبب الموج والرياح، ومع ثقل الأوزان، عادت المياه لتقذف بهم باتجاه سوريا. لقد قامروا بأرواحهم. تجار الموت خدعوهم والفقر سهل الأمر. أنا أتهم التجار ومن يتغاضى عن التجار”.
يقدر السعيد عدد الذين ركبوا البحر من مخيم نهر البارد بالمئات، فسكان المخيم يبلغون 35 ألفاً، وبالتالي عدد الذين جازفوا بركوب قوارب الموت ليسوا كثرة نسبة إلى اللبنانيين والسوريين.
في غضون ذلك، أرسل المخيم وفداً سياسياً رسمياً إلى سوريا، لتدبر أمر الضحايا، وكذلك فرقة إسعاف من “جمعية الشفاء الطبية” باتت موجودة في مستشفى الباسل في طرطوس، للوقوف على التطورات. هؤلاء على تواصل مستمر بأهل المخيم وعائلات الضحايا بشكل خاص.

وفي عكار، فإن الفاجعة نفسها هي التي أدمت قلوب العكاريين عام 2014، يوم استقبلت بلدة قبعيت 16 ضحية من بحر أندونيسيا أثناء محاولة بلوغ أوستراليا. أمّا مؤخراً، فقد كان الحزنُ كبيراً في بلدة القرقف في جرد القيطع، إذ فجعت المنطقة أمس بوفاة عائلة التلاوي (الأم سلمى وأطفالها الأربعة: مايا (11 سنة)، مي (8 سنوات)، عمار (6 سنوات)، محمود (4 سنوات)، فيما نجا الوالد وسام التلاوي (37 عاماً) من الموت بعد إنقاذه مصاباً بكسور بليغة في مختلف أنحاء جسده.
 
يحتار الجد أبو علي التلاوي ماذا يفعل وهو المفجوع بابنته وأحفاده، ويقول لـ”الأخبار”: “أوضاعنا المادية جيدة وعمدنا مراراً إلى منع وسام من المغادرة عبر البحر. وبعد أربع محاولات فاشلة، غادر في المرة الخامسة من دون علمنا ومن دون أن نودعهم حتى، وكانت الفاجعة بعد خمس ساعات من انطلاق المركب فجر الثلاثاء الفائت”. ويضيف: “وقع خلاف بين وسام وبين عمه الذي منعه من بيع ممتلكاته والسفر، لكن تبيّن لاحقاً أن وسام باع منزله في طرابلس بقيمة 20 ألف دولار، وتنازل عن قطعة أرض ومنزل يملكهما في البلدة بقيمة تقارب الـ 50 ألف دولار لدى الكاتب العدل لمصلحة السمسار فور بلوغه إيطاليا، للأسف ضاعت العائلة وضاع كل شيء”.
 
لم يكن وسام يعاني الفقر والعوز، وهو موظف في إحدى الشركات ولديه بعض الأملاك في البلدة، لكنه أراد البحث عن حياة لائقة لعائلته، أراد الأمان والاستقرار وفضّل المجازفة على الرضوخ لنصائح عمه والعائلة، وكانت النتيجة مأسوية للغاية.
البلدة الهادئة التي لم يكن أحد ليسمع بها لولا هذه الكارثة الإنسانية، انهمكت أمس في إدخال الجثامين عبر معبر العريضة الى جبانة البلدة، حيث شيّعت الطفلتان (مايا ومي) ظهر أمس، فيما أُدخل أحد الشقيقين (عمار ومحمود) مساء من سوريا الى لبنان ولا يزال البحث جارياً عن الثاني لصعوبة التعرف إلى هوية الضحايا.
 

بدورها، يقول ع.طالب من بلدة ببنين أنه لن يكرّر محاولة الهجرة عبر البحر أبداً بعدما جرّبها سابقاً. في سياق حديثه، يروي كيف غادر منذ سبعة أشهر مع أحد المهرّبين السوريين وبشكل سري للغاية، ويقول: “تم نقلنا ببوسطة مغلقة الى شاطئ أنفة ووصلنا الى إيطاليا في قارب يرثى له بخلاف الوعود التي كانت قد أغدقت علينا، مقابل مبلغ 100 مليون ليرة، ومن ثم توجهت الى ألمانيا وما قدمته لنا الدولة الألمانية لن نجده في لبنان طوال حياتنا، لكن الوضع في لبنان لا يحتمل. لديّ خمسة أطفال واضطررت للعودة لتأمين قوتهم اليومي بعدما تبيّن لنا أن الحصول على الجنسية شبه مستحيل”.
 
ويتابع: “نحن ضحية تجار البشر، وما يجري فعلاً مخيف. هناك شبكة منظّمة تعمل على التغرير بالشبان وتفرش الدنيا وروداً وهي في الحقيقة جهنم”.
 
 
(الشرق الأوسط – الأخبار)