فاجأ رئيس مجلس النواب نبيه برّي الأوساط السياسيّة بدعوة المجلس النيابيّ يوم الخميس، للإنعقاد لانتخاب رئيس للجمهوريّة، بعدما كان أعلن صراحة أنّه لن يُقدم على هذه الخطوة، طالما لم يتأمن التوافق حول شخصيّة وسطيّة جامعة، وطالما لم تُقرّ القوانين الإصلاحيّة الخاصّة بالمفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ. ورأت الأوساط أنّ برّي أبدى جدّيته في احترام المهل الدستوريّة، مُوجّهاً رسالة مباشرة للمشككين الذين اتّهموه بخطف الإستحقاق، فأخرج “أرنباً” سياسيّاً جديداً، كاسراً الجمود بعد 28 يوماً من بدء مهلة إنتخاب الرئيس الجديد. غير أنّ علامات إستفهام كثيرة تُطرح حول مصير جلسة الغدّ، وتأمين النصاب.
وتعتبر أوساط سياسيّة أنّه حتّى لو تكثّفت إجتماعات الكتل النيابيّة، فالوقت قصير أمامها للتوصّل إلى تسميّة مرشّحيها، والتسويق لهم بين الحلفاء والخصوم. كذلك، فإنّ فترة اليومين التي أعطاها برّي قصيرة جدّاً، ويُراد منها أنّ يجسّ نبض النواب حول من يريد تعطيل الجلسات أو تأمين النصاب، وأسماء المرشّحين التي يُؤكّد مراقبون أنّه لو طُرح بعضها، فإنّها لن تنال 65 صوتاً، لغياب الإجماع حولها، ورغبة أغلبيّة النواب بانتخاب رئيسٍ وسطيٍّ غير مستفزٍّ.
وفي هذا السيّاق، كان منتظراً على سبيل المثال أنّ يُعلن نواب “التغيير” الـ13 عن مرشّحيهم، من ضمن مبادرتهم التي أطلقوها، والتقوا في خلالها الكتل النيابيّة كافة. ومن المتوقّع أنّ تُعلن أغلبيّة الكتل أنّها ستُبقي إجتماعاتها وإتّصالاتها مفتوحة وصولاً إلى المشاركة في جلسة الغدّ. ويعتبر مراقبون أنّ المعنيّ الأبرز في الدعوة لجلسة الخميس هو برّي نفسه، وحليفه “حزب الله”، اللذين لم يُسمّيا رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، ولا أي مرشّح آخر بعد. ويقول المراقبون إنّ برّي هو من يتحكّم بجلسات الإنتخاب، وإذا رأى غداً لو انعقدت الجلسة، أيّ خطر من إمكانيّة توصّل “المعارضة” لانتخاب مرشّحها بالـ65 صوتاً لاحقاً، فإنّه سيتريّث في الدعوة لجلسات أخرى، أو عدم تأمين النصاب، إلى حين بلورة صورة التحالفات والترشيحات ضمن “فريق الثامن من آذار”.
وعلى هذا الأساس، يُشير مراقبون إلى أنّ هناك سيناريوهين لجلسة الغدّ، لعلّ أبرزهما تأجيل الجلسة بعد نزول برّي عند رغبة عدد من النواب، ومن المتوقّع أنّ يكونوا من “الثنائيّ الشيعيّ” وحلفائه، بحجّة إجراء المزيد من المشاورات. أمّا السيناريو الثاني، فيتمثّل بعدم عقد الجلسة لفقدان النصاب، مع وجود نواب خارج البلاد، وعدم إرتياح البعض الآخر لدخول قاعة البرلمان والمخاطرة، وإعطاء الفريق الآخر الفرصة لانتخاب مرشّحه. والجدير بالذكر أنّ نواب “القوّات” و”الكتائب” و”التغيير” لوّحوا بتعطيل الجلسات أيضاً، لقطع الطريق أمام “حزب الله”، وإذا لم يُؤجّل برّي الجلسة إلى وقتٍ لاحقٍ، فهناك خشيّة في صفوفهم من أنّ يطرح “الثنائيّ الشيعيّ” مرشّحه في أولى الجلسات، وينتخبه تماماً كما فعل في جلسة إنتخاب رئيس مجلس النواب وأعضاء وهيئة مكتب البرلمان، وأخيراً كما تمّ التصويت على الموازنة، مع إعتراض نواب من “المعارضة” عليها.
ويلفت مراقبون إلى أنّه من المستبعد أنّ يُنتخب رئيسٌ في أوّل جلسة، وهي مجرّد “بروفا” لاستطلاع توجّهات النواب، وهَدَفَ رئيس المجلس أنّ يفتح الطريق أمام الدعوات المتلاحقة لجلسات الإنتخاب، فُيشدّد المراقبون على أنّ المعركة لم تبدأ بعد بين 8 آذار و”المعارضة”، في ظلّ غياب أبسط المقوّمات لها، وهما إسما المرشّحين من كلا الفريقين. وأبعد من ذلك، يرى المراقبون أنّ الدعوة للجلسات، قد تتخطى الفترة السابقة بين الـ2014 والـ2016، مع غياب الأكثريّة النيابيّة، وإسم المرشّح الوسطيّ التوافقيّ التي تبحث عنه أغلبيّة الكتل.
إضافة إلى ذلك، فإن الكتل المسيحيّة الكبيرة، وعلى رأسها “الجمهوريّة القوّية” و”لبنان القويّ”، فرضا مواصفات ومعايير على الشخصيّة التي سينتخبوها. فـ”القوّات” تُريد من المرشّح أنّ يكون إصلاحيّاً وإنقاذيّاً و”سياديّا” بوجه “حزب الله” وممارساته وسلاحه، فيما نواب “التغيير” مقتنعون أنّهم إذا ساروا بطروحات معراب، فإنّهم سيفشلون في إيصال مرشّحهم، وقد أكدوا أنّهم مع شخصيّة توافقيّة وسطيّة إنقاذيّة، كي تتأمّن الشروط لنجاحها. كذلك، فإنّه من دون “التيّار الوطنيّ الحرّ”، يصعب على “الثنائيّ الشيعيّ” إنتخاب فرنجيّة، أو حتّى أيّ مرشّح آخر ليس مدعوماً من قبل باسيل.
وفي حين يتمنّى اللبنانيون أنّ ينتخب النواب رئيساً بسرعة لوضع حدٍّ لفلتان الوضع الإقتصاديّ، وتشكيل حكومة جديدة تنكبّ على العمل والإصلاحات، يُوضح مراقبون أنّ الظروف الدوليّة ليست متوفّرة بعد لانتخاب الرئيس، على الرغم من رغبة بلدان فاعلة في إستقرار لبنان، وإنجاح المفاوضات حول الحدود البحريّة مع العدوّ الإسرائيليّ، لإراحة أسواق الطاقة العالميّة. ويلفت المراقبون أنّ جلسة الغدّ لو انعقدت، ستُؤكّد إستحالة إنتخاب المرشّح التحديّ حتّى لو كان ممثلاً مسيحيّاً وشعبيّاً، وستُثبت مُجدّداً أنّ التسويّة فقط هي الحلّ للخروج من الفراغ الرئاسيّ المتوقّع.