بعد نحو عشرة أعوام من الجهود والأبحاث والتجارب، بات مرضى الكلى في لبنان والعالم أمام ابتكار واعد يغنيهم عن عمليّات زرع الكلى وعن جلسات غسلها المؤلمة والمكلفة، وذلك بعد نجاح الطبيبة اللبنانية المتخصّصة في علم اﻟﺴﻤﻮم مروة زين والمهندس الميكانيكي سامي داغر وفريق العمل المساعد في ابتكار فلتر (مرشّح) حيوي للكلى الصناعية أو “مفاعل حيوي”.
وتكمن أهميّة الابتكار في أنّه يتيح تجاوز التحدّي شديد التعقيد والمتعلق بكيفيّة حفاظ الكلية الصناعية على وظائف الكلية الطبيعية كافة لجهة تدفّق الدم، والحفاظ على مستويات طبيعية لضغط الدم والأملاح وغيرهما من دون تجلّط الدم.والابتكار الذي يستكمل مسار التقدّم العالمي في مجال علاج الفشل الكلوي وأمراض الكلى يُعلَن عنه اليوم الأربعاء في مؤتمر طبي يُعقَد في قصر سرسق بالعاصمة بيروت، برعاية الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى وضغط الدم. وسوف تتخلّل المؤتمر إضاءة على نجاح العمليّة الأولى لزرع كلية صناعية في جسم إنسان، وعرض للنتائج التي خلصت إليها دراسات وأبحاث، على أن يُنظَّم مؤتمر مشترك مع الدول المعنيّة في وقت لاحق للتطرّق إلى مجمل التفاصيل.
حلّ معضلة الكلى الصناعية
تقول زين لـ”العربي الجديد” إنّ “العلماء والباحثين نجحوا في تصميم مرشّح أو مصفاة للدم تتألّف من أغشية سيليكون شبه موصّلة تؤدّي الوظيفة الأولى من وظائف الكلى لجهة إزالة الفضلات والسموم من الدم، غير أنّهم تعثّروا (منذ عام 2012) في إيجاد حلّ للفلتر الثاني للكلى الصناعية، وهو الفلتر الحيوي الذي تمكّنا من ابتكاره”.وتشرح زين أنّ “الفلتر الحيوي يحتوي على خلايا الأنابيب الكلويّة (خلايا حقيقيّة مهندسة في المختبر) تضطلع بوظائف الكلى الثلاث المتبقيّة، فتنظّم كمية المياه وتوازن الأملاح، إلى جانب وظائف التمثيل الغذائي الأخرى”.وزين التي تعمل في مجال علم اﻟﺴﻤﻮم منذ عام 2011 تشيد بـ”جهود المهندس داغر الذي تبنّى المشروع”، وتنوّه بـ”الدعم الذي قدّمه الطبيب البلجيكي جون فاندبوت لجهة دراسة الأنسجة والخلايا من أجل فهم وظيفة الكلى”.
وتتحدّث زين عن أهميّة الفلتر الحيوي المبتكر، موضحة “أنّ المرضى سوف يكونون أمام مرحلة جديدة واعدة، فلا يحتاجون عندها إلى أيّ جلسة غسل كلى على الإطلاق، ولا حتّى إلى تكبّد عناء البحث عن متبرّعٍ لزرع كلية مناسبة”.وتؤكد أنّه “اختراع جدّي من شأنه أن يساهم في إطالة عمر المريض ومنحه حياة سليمة، كأنّه يملك كلية طبيعية. كذلك لن يبقى المريض تحت رحمة الأدوية التي تتسبّب في تخفيض مناعته وفي جعله بالتالي أكثر عرضة للأمراض، لا سيّما أنّ عدد مرضى الكلى يتجاوز 850 مليون مريض حول العالم، من بينهم سبعة ملايين في حالة حرجة جداً، إذ يتهدّدهم الموت في أيّ لحظة”.تضيف زين: “لا شكّ في أنّ لبنان سوف يستفيد بدوره من هذا الاختراع، خصوصاً في ظلّ التحديات التي يواجهها مرضى غسل الكلى في البلاد من عجزٍ عن تغطية تكاليف العلاج ومن معاناة فقدان الأدوية باستمرار”.خطوة عالمية متقدمةمن جهته، يقول رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى وضغط الدم ورئيس الجمعية العربية لأمراض الكلى روبير نجم لـ”العربي الجديد”: “نحن أمام خطوات متقدّمة في تركيب الكلى الصناعية عالميّاً، بوصفها حلاً واعداً على المدى البعيد تُغني المرضى عن حاجتهم إلى زرع الكلى أو غسلها، وذلك لأنّ فعاليّتها أسرع من انتظار نتائج الأبحاث الجارية على الكلية الحيوانية”.ويرى نجم أنّ “هذا الاختراع يعيد إحياء مركز لبنان ودوره الحيوي في مجال الأبحاث الطبية، نظراً إلى طاقاته البشرية وخبراته ومصداقيته. كذلك، فإنّه يساهم في تخفيف الفاتورة الصحية في المستقبل البعيد، لا سيّما أنّ النسبة الأكبر من ميزانية وزارات الصحة حول العالم تُخصَّص لمرضى غسل الكلى، بما يقارب 30 في المائة من كلّ ميزانيّة، حتى في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية”.ويتطرّق نجم إلى “ما يعانيه مرضى غسل الكلى في لبنان، البالغ عددهم 4500 مريض ما بين غسل الدم وغسل المعدة”، مشيراً إلى “تحديات فقدان الأدوية اللازمة، ومسألة رفع الدعم عن أدوية محدّدة، والمستشفيات التي لم تعد قادرة على تحمّل كلفة العلاج ولا حتّى دفع ثمن الأجهزة والمستلزمات الطبية بالدولار الأميركي، خصوصاً أنّها تنتظر مستحقاتها من الدولة اللبنانية منذ عامَين”.ويتابع نجم أنّ “الأطباء كذلك لا يتقاضون أتعابهم منذ عامَين، الأمر الذي دفع بنحو 30 طبيباً متخصّصاً في أمراض الكلى إلى الهجرة من أصل 180 طبيباً. كذلك فإنّ المراكز المتخصّصة في أمراض الكلى مهدّدة بالإغلاق من جرّاء الظروف المادية وقلّة الأطباء وتحديات عديدة أخرى”.لبنان: مرضى الكلى في خطر ونقيب المستشفيات يرفع التحذيروإذ يشير إلى أنّ “المريض في لبنان لا يدفع حتى تاريخه كلفة جلسات غسل الكلى التي يقارب عددها 13 جلسة شهرياً لكلّ مريض بكلفة تراوح ما بين 60 و70 دولاراً أميركياً لكلّ جلسة”، يحذّر نجم من “خطورة التوجّه نحو تحميل المريض تكاليف العلاج كاملة وتسديد أتعاب الطبيب بشكل مباشر، علماً أنّه يتكبّد حالياً كلفة فحوصه الشهرية التي تقارب مليون ليرة لبنانية (نحو 670 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 26 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية)، فيما كلفة الأدوية لا تقلّ عن خمسة ملايين ليرة شهرياً (نحو 335 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 133 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية)”.وكان الحديث عن الكلية الصناعية قد برز في عام 2021، بوصفها تحوّلاً مهمّاً في علاج الفشل الكلوي، وذلك بعد نجاح “مشروع الكلى” (The Kidney Project) الأميركي ونيله جائزة مؤسّسة “كيدني إكس” الأميركية عن ابتكاره كلية صناعية حيوية تبشّر ملايين المرضى حول العالم بانتهاء عهد غسل الكلى والانتظار المضني لقوائم المتبرّعين. وقد أتى ذلك بعد عقود من الأبحاث والدراسات في مجال الهندسة البيولوجية، وفق ما ذكرت منصّة “جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو” الأميركية، إذ نجح حينها باحثون فيها في إثبات نموذج أوّلي لكلية صناعية حيوية يمكن زرعها في الجسم لأداء الوظائف الرئيسية للكلية الطبيعية.”العربي الجديد”