في كل مرّة يحاول الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي إقفال الأبواب التي يأتي منها الريح لـ”يستريح” من الهمّ الحكومي والإنصراف إلى ما يفيد لبنان في أيامه الصعبة يتفاجأ بما يخبئه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من مفاجآت غير سارة وشروط تعجيزية.
ما يريده باسيل واتباعه هو أن يَظهروا للرأي العام أنهم لا يزالون الأقوى على الساحة السياسية، حتى ولو أن العهد بات على مشارف أيامه الأخيرة، ولكي يثبت أيضًا أنه قادر على أن يفرض ما يتناسب مع وضعيته، التي بدأت صورتها تهتزّ على أكثر من صعيد، وبالأخص أن الناس يحمّلون العهد ومن وراءه، وبالتحديد “الصهر”، مسؤولية ما آلت إليه أوضاعهم المعيشية التعيسة، حتى أن كثيرين منهم باتوا “يترحمّون” على أيام الحرب، التي لم يعيشوا فيها ما يعيشونه اليوم من تعاسات، على رغم ويلات هذه الحرب البشعة، التي يأملون أن تبقى مجرد ذكرى ليس إلاّ.
وآخر “بدع” نائب البترون وإبتكاراته في عرقلة قيام حكومة كاملة المواصفات إشتراطه تبديل الوزراء المحسوبين على تياره في الأساس بآخرين ممن هم أكثر “صقورية” من غيرهم، وقادرين بالتالي على أن يعرقلوا أي قرار أو مرسوم في حال وقع الفراغ وإستلمت الحكومة المفترضة صلاحيات رئيس الجمهورية الموكلة إليها دستوريًا.
وهذا يعني بـ”المفهوم الباسيلي” أن أي مرسوم أو أي قرار لا يكون على “ذوقه” لن يبصر النور. وهكذا تتحّول أي حكومة، بفعل “الشروط الباسيلية”، إلى صورة مصغرّة عن العقم الإنتاجي الذي رافق اللبنانيين أقّله في السنوات الثلاث الأخيرة، مع أن المطلوب من أي حكومة ستكون مهمتها ملء الفراغ الرئاسي الكثير من الإنتاجية ومن العمل التعويضي عن فترات التعطيل السابقة، والتي سوف تُضاف، على ما يبدو، وعلى ما يريده النائب البتروني، إلى سلبيات الفراغ، وهي أكثر بكثير مما يمكن أن يتخّيله أي إنسان عاقل.
يوم رفض باسيل تسمية الرئيس ميقاتي لتولّي مهمة تشكيل حكومة جديدة قبل أن تلزم الإستشارات النيابية رئيس الجمهورية بتسميته قالها بصريح العبارة، ونوردها بتصرّف: “الله لا يخّليني إذا بخّليه يألفها”.
ومنذ ذاك الوقت وهو يعمل بـ”يديه ورجليه” للحؤول دون تشكيل حكومة بمواصفات كاملة تفرضها الظروف القاهرة، وكأنه يريد أن يقول للقاصي والداني إن ما “قصرّ” به خلال السنوات الست الماضية العجاف سيعوضّها في الأيام الأخيرة المتبقية، من دون أن يهتمّ بما ستجرّ على البلاد الفوضى المنتظرة من ويلات ومصائب.
فالوزراء المسيحيون المحسوبون على “التيار الوطني الحر”، والذي سمّاهم الرئيس ميشال عون من حصّته الرئاسية، لم يعودوا يفون بـ”الغرض الباسيلي”، وقد آن الآوان لإستبدالهم بمن هم أكثر ولاء للتعليمات التي تصدر تارة من “ميرنا الشالوحي”، وطورًا من “اللقلوق”، وهم الذين سمعوا مؤخرًا كلامًا لم يسمعوه من الذين يعتبرهم باسيل، إفتراضيًا،أنهم خصومهم في السياسة.
فهؤلاء الوزراء المتهمون بأنهم “يسايرون” في الأمور المصيرية، ولا ينصاعون للتعليمات المعطاة لهم، يجب أن يُستبدلوا بمن هم أكثر ولاء وأكثر صلابة. فالنائب باسيل يريد من خلال فرض شروطه الجديدة أن يقول إنه لا يزال قادرًا على التحكّم بـ”اللعبة السياسية” حتى بعد إنتهاء العهد، وهو يريد أن يوحي أيضًا من خلال هذه “الإيحاءات” بأنه لا يزال “مرشحًا ممكنًا وطبيعيًا” لرئاسة الجمهورية. وهذا ما يحاول القيام به في الداخل، ومن خلال سفراته إلى الخارج، أو من خلال إطلاق اكثر من بالون إختبار في بعض وسائل الإعلام، وإعادة إحياء بعض العظام، وهي رميم.
وعلى رغم كل هذه المحاولات “الدونكيشوتية” فإن الرئيس المكّلف لن ييأس ولن يستسلم، وسيبقى يقفل الأبواب التي يأتي منها الريح لكي يستريح الوطن من “الهبّات الباردة والساخنة”.