بدأ العدّ العكسي لمغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، عند انتهاء الدقيقة الأخيرة من ولايته في منتصف ليل 31تشرين الأول، بعدما بات أمر “التمديد” الذي لطالما عارضه “العونيّون” قبل غيرهم، أقرب إلى “المغامرة الانتحارية”، رغم كلّ الاجتهادات والفتاوى التي وُضِعت على الطاولة، من فكرة المظاهرات المطالبة ببقاء الرئيس، إلى بدعة “إقالة” الحكومة، غير المستندة إلى أيّ نص دستوري أو قانوني.
بانتظار هذا الموعد، يُعِدّ “العونيّيون” وفقًا للتسريبات المتداولة، ل “تحرّكات” لحفظ ماء الوجه في الأيام الأخيرة من “العهد”، سواء في 13 تشرين الأول، اليوم الذي يملك “رمزية خاصة” بالنسبة إليهم، مع دلالاته “النضالية” التي يحنّ إليها “العونيون القدامى” أو من بقي منهم، أو في اليوم الأخير من الولاية الرئاسية، حين سيعلنون ما يشبه “البيعة الجديدة” للرئيس ميشال عون، رئيسًا فخريًا لـ”التيار” الذي أسّسه.
لكن، بعيدًا عن هذه التحركات، عفوية كانت أم منظمة، ثمّة في صفوف “العونيّين” من يدعو إلى “مراجعة نقدية” لا بدّ منها لـ”عهد” لم يكن برأيهم “أفضل الممكن”، بل إنّه لم يكن على قدر الآمال والطموحات، طالما أنّ “الخيبات” تتقدّم على سجلّ “الإنجازات” الخجولة والمتواضعة التي تحقّقت، والتي لا يكفي شعار “ما خلّونا”، حتى ولو كان صحيحًا ومطابقًا للواقع، في التخفيف من حدّتها والتقليل من وقعها.
“مؤامرة وحصار”
يحلو للكثير من “العونيّين” الحديث عن “مؤامرة على العهد”، بدأت منذ اليوم الأول لوصول الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا، وهو “الحدث” الذي لم يكن “على خاطر” الكثيرين، حتّى ممّن صوّتوا له، لأنّهم كانوا يمنّون النفس بالحصول على “حصّتهم من الكعكة”، وفق العرف التقليدي في لبنان، وهو ما ترجِم “حصارًا” داخليًا وخارجيًا على الرئيس والمحيطين به، وتوّج بـ”حراك” 17 تشرين الشهير، وغير المسبوق في التاريخ اللبناني الحديث.
ومع أنّ الكثير من “العونيّين” يعتبرون أنفسهم “روادًا” في “الثورة” على النظام، هم الذين ناضلوا على مرّ السنوات، قبل أن ينقلوا “معركتهم” إلى داخل المؤسسات كما يقولون، إلا أنّهم وجدوا أنفسهم تلقائيًا في الاتجاه المعاكس لـ”حراك 17 تشرين” الذي ثمّة بينهم من لا يتردّد في “تخوين” قيادييه، واعتباره “نتاج عمل سفارات معادية”، خصوصًا بشعار “كلن يعني كلن” الذي رفعوه، ليضعوا بموجبه “الإصلاحي” جنبًا إلى جنب “الفاسد”، من دون أيّ تمييز.
لكن، في مقابل العقل المخابراتي والمؤامراتي الذي يسيطر على المقاربة “العونيّة” لهذا الحراك وغيره، ثمّة بين “العونيّين” من يلجأ إلى “النقد الذاتي”، ليضع المشكلة في “التوقيت الخاطئ” لوصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، فالرجل الذي كان طامحًا للرئاسة منذ الثمانينات، وصل إليها حين كانت البلاد تقف على “حافة” الانهيار، ليسجّل التاريخ أنّ كلّ الأزمات وقعت في “عهده”، ويحمَّل مسؤوليات “تاريخية” قد تكون أكبر منه.
كيف واجه “العهد”؟!
يتّفق “العونيون” على أنّ “العهد” واجه ما لم يسبقه عليه أحد، فكان الجميع تقريبًا خصومًا له، وابتعد الحلفاء عنه، لتركه يتحمّل وحيدًا مسؤولية أزمات كانوا هم من دفعوا البلاد نحوها، بسياساتهم المتراكمة منذ الأزل، والتي كان من الطبيعي أن تفضي إلى الانهيار الحتميّ. لكنّ السؤال الذي يُطرح هنا يبقى: كيف واجه “العهد” كلّ ذلك؟ كيف تمرّد على مثل هذا الواقع؟ وما الذي حقّقه في هذا المضمار؟
ببساطة، قد تكون الإجابة “لا شيء”. بالنسبة إلى بعض “العونيّين”، فإنّ المبرّرات جاهزة، وربما “مقنعة”. أولها شعار “ما خلونا” الذي، وإن أضحى “مصدر شماتة وسخرية” لدى الكثيرين، إلا أنّه واقعي بالنسبة إليهم، فقوى “المنظومة” عرقلت كلّ الخطط الإصلاحية، ولم تسمح لـ”التيار” بتحقيق شيء. أما ثانيها، فتكمن في “الصلاحيات” المفقودة للرئاسة، والتي استطاع الرئيس عون أن يعيد لها “الهيبة”، رغم كلّ شيء.
لكن، بالنسبة إلى “عونيين” آخرين من دعاة “المراجعة النقدية”، فإنّ مثل هذه القراءة “السطحية” قد لا تكون كافية، بل ربما هي سبب “التضعضع” الذي وصل إليه “التيار”، الذي خسر الكثير من نقاط قوته، مع فقدانه للكثير من “الرفاق” بسبب آرائهم ومعتقداتهم. يطرح هؤلاء سؤالاً واحدًا على “رفاقهم”: هل كنّا سنقبل مثل هذه الحجج لو أتت من رئيس آخر؟ هل كنّا سنقدّم له الأعذار والأسباب التخفيفية؟!
ليست المراجعة المطلوبة من “العونيين” مجرد كلام استعراضي، كما يحاول بعضهم الإيحاء، ممّن يعتبرون أنفسهم ورئيسهم “فوق النقد”. على العكس من ذلك، لا بدّ أن تكون تحصيلاً حاصلاً، خصوصًا بعد الكلام “الصريح” للوزير السابق جبران باسيل، تحت عنوان “نعم، فشلنا”. وإذا كان من الطبيعي أن يلقي باسيل باللائمة على الآخرين، فإنّ الأكيد أن انطباع الكثير من “العونيين” أن معركة الرئاسة كانت “خاسرة” بكل ما للكلمة من معنى!