مع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة ثانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يوم الخميس المقبل في 13 تشرين الأول الجاري، عادت “التكهّنات” حول السيناريوهات المحتملة للجلسة، واحتمالات عقدها، والمرشحين المحتملين الذين ستدخل من خلالهم القوى السياسية المختلفة السباق، خصوصًا في ظلّ غياب أيّ مؤشّرات عن توافق ممكن على مرشح “وسطي” مقبول من جميع الأطراف.
فعلى خطّ قوى الموالاة، لا يبدو أنّ أيّ جديد طرأ حتى الآن من الجلسة السابقة، حيث لا تزال منقسمة على نفسها، في ضوء “الخلاف” المستمرّ بين مرشحَيها غير المعلَنين، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ما يغلّب فرضية “الورقة البيضاء” مرّة أخرى، أو ربما “مقاطعة” الجلسة من الأساس، بحيث يتعذّر تأمين النصاب المطلوب من الثلثين من البداية.
أما على مستوى المعارضة، فالانقسام لا يزال سيّد الموقف أيضًا، فيما يبدو أنّ أحزابها الأساسية لا تزال متمسّكة بالمرشح الذي طرحته في الجلسة الأولى، النائب ميشال معوض، والذي تصرّ هذه القوى على أنّه “ثابت ونهائي”، ولم يُطرَح بدافع “الحرق” كما حاول البعض الإيحاء، وسط حديث عن اتصالات ستتكثّف من الآن وحتى موعد الجلسة المقبلة، في محاولة لرفع “رصيده”، ولو أنّ ذلك يبدو متعذّرًا حتى الآن.
مرشح “ثابت”
يقول المحسوبون على أحزاب المعارضة الأساسية، ولا سيما “القوات” و”الكتائب” و”الاشتراكي”، إنّهم ماضون بترشيح النائب ميشال معوض في الجلسات المقبلة، لأنّ اختياره أتى بناءً على معايير واضحة ومحدّدة، وبصورة مدروسة، فضلاً عن كونه يمتلك المواصفات التي توافق عليها مختلف أركان المعارضة، ويفترض أن يكون مقبولاً من الجميع، ولو أنّ البعض لا يزال مصرًّا على “التمايز”، لغايات قد تكون “شعبوية”، وفق هؤلاء.
لعلّ “الثبات” على ترشيح معوض ظهر في الأيام القليلة الماضية، من خلال المواقف التي أطلقها قادة الأحزاب المعارضة، فرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أكّد أنّه المرشح “النهائي” للمعارضة، وأنّه لم يُطرَح ليُسحَب، متحدّثًا عن “تنازل” قدّمته “القوات” في هذا الصدد، وكذلك فعل رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي دافع عن ترشيح معوض، مستغربًا الاعتراض عليه، بوصفه يحمل مشروع “ابن شهيد الطائف”، على حدّ قوله.
أكثر من ذلك، يقول المحسوبون على قوى المعارضة الأساسية إنّ النائب معوض تحديدًا لا يمكن أن يُعتبَر مرشّح “تحدّ أو مواجهة”، فهو رغم مواقفه الثابتة والمعروفة، ليس “مستفزًا” لأحد، كما أنه يمتلك شبكة علاقات مع الجميع، حتى إنّه انضوى في السابق بتكتل “لبنان القوي”، كما أنّه لا يمكن اعتباره جزءًا من “المنظومة”، وهو الذي لم يشارك في أيّ من الحكومات المتعاقبة، كما يُتهَم الكثير من المعارضين من قبل أقرانهم في المعارضة.
هل من حظوظ؟
لكن، بمعزل عن “ثبات” قوى المعارضة على مرشحها، فإنّ لا مؤشّرات تدلّ على أنّ معوض سيكون قادرًا بالفعل على الوصول إلى رصيد 65 صوتًا، فكيف بالحريّ على تأمين “نصاب” 86 نائبًا يجب أن يحضروا الجلسة، وفق الاجتهاد القانوني والدستوري الذي يؤكد عليه رئيس البرلمان، علمًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ أحزاب الموالاة لن تؤمّن النصاب إذا ما شعرت أنّ الرجل يقترض من “ضمان” الفوز، كما فعلت في الاستحقاق الأخير.
وحتى قبل الانتقال إلى “البوانتاج” العام بهذا المعنى، ثمّة من يعتبر أنّ حصول معوض على تأييد المعارضة مجتمعة لا يزال متعذّرًا، فالعديد من النواب المستقلّين لا يعتبرونه مرشحًا “مقبولاً”، ومنهم من يؤكد أنّه سيعيد الكرّة في التصويت لـ”لبنان” في الجلسة المقبلة، كما أنّ نواب “التغيير” ماضون بـ”مبادرتهم”، تفاديًا لانقسامهم، علمًا أنّ العارفين يؤكدون أنّ معوض لن يحصل في هذه الحالة، سوى على بعض أصواتهم، التي لن تكفي لفوزه.
وبين هذا وذاك، يخشى الكثيرون أن يكون “مصير” ترشيح معوض مشابهًا لـ”مصير” ترشيح سمير جعجع قبل انتخاب الرئيس ميشال عون، إذ بقي اسمه يتردّد في كلّ الجلسات، من دون أن يكون لديه حظوظ فعليّة، حتى تبيّن أنّ التداول به كان مجرّد “تعبئة وقت” بانتظار “الكلمة الفصل”، وهو ما ظهر حين دقّ جعجع نفسه أبواب “التسوية”، وتبنّى ترشيح عون من خلال “تفاهم معراب” الشهير، والذي أسّس لإنجاز الاستحقاق.حتى الآن، لا يبدو أنّ الجلسة الانتخابية المقبلة ستحمل أيّ جديد مقارنة بتلك التي سبقتها، بل إنّ البحث الحقيقي ليس حول ما إذا كانت ستفضي إلى انتخاب رئيس، بل ما إذا كانت ستعقد بدورة “يتيمة”، أم لن يتأمّن نصابها من الأساس. وبين الخيارين المذكورين، قد يكون مطلوبًا من القوى السياسية أن تعدّل في “مقاربتها” للاستحقاق ككلّ، لأنّ حدًا أدنى من التوافق يبقى “شرطًا” لن تكتمل الانتخابات من دونه، بمعزل عن كلّ الآراء!