قد يكون قسم لا بأس به من اللبنانيين ضد سلاح “حزب الله”. وهذا الأمر هو محل جدل طويل وعريض في لبنان، وقد خاضت أحزاب “المحور السيادي” “حرب” الإنتخابات النيابية الأخيرة تحت هذا الشعار. وبفضل ما يدغدغ هذا الشعار الكثيرين من اللبنانيين جاءت نتائج الإنتخابات مغايرة لواقع يعتبر البعض أنه أصبح من الماضي، وأن لا عودة إليه في أي شكل من الأشكال.
عندما غالى المغالون في تفاؤلهم بالنسبة إلى النهايات “السعيدة” لملف ترسيم الحدود كان بعض الواقعيين يدعون إلى إنتظار أن يصبح “الفول بالمكيول”. هؤلاء المتفائلون، ولو بحذر، يعرفون تمام المعرفة الطبيعة العدوانية لإسرائيل، وأنه يجب عدم إستسهال أي تفاوض معها، حتى ولو كان بوساطة أميركية. وتأكد لكثيرين ممن لا يتفقون مع “حزب الله” بسبب سلاحه “غير الشرعي” أن إسرائيل لا تفهم إلا بلغة التهديد والوعيد.
يقول البعض إنه عندما هدّد “حزب الله” بأن حقل “كاريش” هو في مرمى نيرانه ومسيرّاته رضخت إسرائيل لمنطق القوة، وقبلت العودة إلى طاولة المفاوضات، وسلمّت بواقع لبنانية حقل “قانا” وبالخطّ 23 غير المتعرّج، وبفصل الترسيم البرّي عن الترسيم البحري، والإعتراف بنقطة رأس الناقورة كحدود دولية فاصلة بين لبنان وفلسطين المحتلة. ولكن عندما بدأ الحديث من الجانب اللبناني عن أن التوصّل إلى إتفاق نهائي في ملف الترسيم يعني نهاية الحرب بين لبنان وإسرائيل، من دون أن يعني ذلك بداية مرحلة التطبيع، عاد العدو الإسرائيلي إلى “التكشير” عن أنيابه، مستفيدًا من جو التهدئة، الذي طبع كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في آخر إطلالتين له. وبذلك بدا أنه من الصعوبة في مكان التكهن المسبق بمصير إتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل في الأيام والاسابيع المقبلة، بعدما مني هذا الاتفاق الذي كان على مشارف الابرام بصدمة حادة مفاجئة وضعته في وضع معلق في أفضل الأحوال، إن لم يكن قد صار على مشارف الانهيار.
وتبعًا لتتابع التطورات المتسارعة التي سجلت في الساعات الأخيرة، بدا من البديهي طرح تساؤلات عاجلة أملاها التدهور المفاجئ في الخطوات الآيلة الى استكمال المسار التنفيذي لمشروع الاتفاق كما وضعه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مقترنًا بموافقة واضحة لبنانيًا وإسرائيليًا. وقد يكون من أبرز هذه التساؤلات ما له علاقة بالاعتبارات الانتخابية الضاغطة والساخنة جدًّا في إسرائيل، وهي التي تقف وراء رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد وفريقه الوزاري الملاحظات والتعديلات التي طلب لبنان إدخالها على الإتفاق لأنه وجد نفسه محاصرًا امام الضغط المتصاعد عليه انتخابيًا وشعبيًا من قِبَل منافسه زعيم “الليكود” بنيامين نتنياهو. ويبقى السؤال المهم عن قدرة الوسيط الأميركي على منع إنهيار اتفاق كاد يصل إلى نهاياته السعيدة، والذي كان سيشكل إنجازًا ديبلوماسيا كبيرًا لإدارة الرئيس جو بايدن، عشية الإنتخابات الأميركية النصفية. فهل سيتمكن هوكشتاين من منع تفاقم الأمور وتصاعدها نحو ملامح مواجهة عسكرية بدأت المخاوف منها لحظة اعلان إسرائيل رفضها التعديلات اللبنانية على مشروع الاتفاق، ودعوتها إلى الإستنفار على حدودها الشمالية، مع إستنفار دائم من جانب “حزب الله” على الحدود الجنوبية للبنان؟ وحيال هذا الرفض الإسرائيلي فإن لبنان متمسك بالملاحظات التي قدّمها على المقترحات الأميركية، وبالأخصّ ما له علاقة بمبدأية رفضه خطّ “العوامات”، وأن حرية العمل في حقل “قانا” حقّ لا يمكن التساهل فيه، وإن بدت الإتصالات الأولية مع هوكشتاين متساهلة بعض الشيء في الشكل وفي التعديل بالصياغة فقط. الموضوع بالنسبة إلى لبنان الرسمي والشعبي لا ينحصر بمسألة الخيار بين الحرب والسلم، إذ أن لبنان لم يكن سوى مدافع عن سيادته وأرضه وكرامة شعبه، وهو ذهب إلى المفاوضات غير المباشرة مع العدو رغبة منه في عدم إضاعة أي فرصة ممكنة لتحسين وضعيته الإقتصادية الداخلية، وكذلك فعلت إسرائيل، التي تخشى الحرب اليوم أكثر من أي يوم مضى.