بعد تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الخميس المقبل موعدا لجلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ينتظر أن يدعو بري إلى جلسة تشريعية لدرس واقرار عدد من مشاريع القوانين الاصلاحية، وبحسب المعلومات ، فإن مشروع التوازن المالي الذي أعدته الحكومة، يفترض أن يوقعه رئيس الجمهورية تمهيدا لإرساله الى البرلمان لدرسه واقراره.
يهدف مشروع قانون التوازن المالي إلى تحديد الإطار القانوني العام لمُعالجة الفجوة المالية للنظام المصرفي في لبنان وتداعياته على المودعين وفقاً لأولوية تَضمَن حماية حقوق المودعين لأقصى حدّ مُمكن، سيّما الصغار منهم، كما وتُعيد الثقة بالنظام المصرفي عن طريق إعادة هيكلة المصارف خدمةً للإقتصاد الوطني مع ما يوجبه ذلك من إعادة رسملة مصرف لبنان وإطفاء الخسائر التي تحول دون الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف في أقرب وقت مُمكن وضمن الإمكانات المُتاحة، حالياً وتدريجياً، وفقاً لتوفّر الموارد المستقبليّة المؤآتية. واهمية المشروع انه يعالج الفجوة الماليّة للنظام المصرفي في لبنان وتداعياته على المودعين وفقاً لأولوية حماية حقوق المودعين كما تشير مادّته الأولى التي تحاول تحديد أهدافه.
لا شك ان المودع ينتظر خارطة طريق تشريعيّة قانونية ترسم مسار التعامل مع أزمة الودائع، عوضًا عن تعاميم مصرف لبنان . وفي المادّة الأولى يتحدث المشروع عن : إعادة الثقة بالنظام المصرفي، إعادة الهيكلة ، إعادة رسملة مصرف لبنان، إطفاء الخسائر، خدمة الاقتصاد الوطني ولكن وطبعاً وضمن الإمكانات المتاحة.تبرز ثغرات عديدة عند الدخول في مواد القانون. فالعمليّة بأسرها، ستستند إلى “تدقيق محاسبي لميزانيّة مصرف لبنان”، وبما “يراعي المعايير الدوليّة”، حسب مشروع القانون، علما ان مشروع القانون، يفترض أن يكون ، بحسب الخبير الاقتصادي والمالي بلال علامة ل”لبنان24” قانونًا مصرفيًّا يتعامل مع مفاهيم وعمليّات ماليّة معقدّة وتعقدت أكثر بعد ثلاث سنوات من التطبيق الغامض لتعاميم المصرف المركزي . بالنسبة الى علامة، جاء مشروع القانون بأفكار بينما القانون يجب أن يتضمّن قواعد وموجبات مؤكدة مع آليات تنفيذية واضحة كي يحقّق الاستقرار المنشود من ورائه. وهو يضرب قاعدة المداينة التي تنص على حفظ الدين إذ شرّع للمدين، وهو هنا الدولة اللبنانية، ان يشطب دين الدائن وهو هنا المصارف والمودعين الذين ، رغم ضرورات اشراكهم في المسؤولية، لا يأتون في صدارة المسؤولية.
لقد ذكر في نص القانون المقترح أنه لناحية معالجة الفجوة في الملاءة لدى مصرف لبنان،يطلب اجراء “تدقيق محاسبي لميزانية مصرف لبنان لكنه لم يأت على تحديد الفجوة، علما ان التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان قد تم البدء به وستصدر نتائجه قريباً. ورغم ذلك تم اقتراح بند لمعالجة الفجوة المالية في ملاءة مصرف لبنان من خلال ذكر ما يلي: “من خلال تخفيض قيمة توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية” (المادة 2 ) ليعتبر أن التدقيق المحاسبي لميزانية مصرف لبنان ستحدّد الفجوة المالية وأن تخفيض توظيفات المصارف لدى المصرف تحل المشكلة” .إن الفجوة المالية في مصرف لبنان مسؤولية الدولة اللبنانية وليس القطاع الخاص ولا حكماً المودعين حيث أن تخفيض توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان ستؤدي الى الإطاحة بجزء من ودائع المودعين ، فالمادة أغفلت ذكر الجهة التي ستقوم بالتدقيق والجهة الرسميّة المسؤولة عن متابعة التدقيق والإشراف على عملها. وبالتالي فإن أهم مسار “لإعادة التوازن للنظام المالي”، يفترض أن يتم على أساس معرفة مفصّلة وشفّافة بالأرقام والحسابات، وعلى تحديد مسبق للمسؤوليّات ونسبها، يقول علامة.وهنا يقول الخبير الاقتصادي احمد جابر من جهته ل “لبنان24” “لا يوجد في المشروع اي إجراء يسهم في تدقيق عمل المصارف وبالتالي تحديد الوضعية المالية علما انه في الميزانيات المجمعة للعديد من المصارف اظهرت في فترة ما قبل تشرين 2019 ارباحا طائلة ونموا كبيرا في حقوق الملكية ورساميل المصارف، فلماذا التعتيم عن المصارف والابقاء على مصرف لبنان فقط في دائرة الضوء ويبدو أن هناك حكما مسبقا على مصرف لبنان وملاءته وبالتالي الوضعية المالية له لقد جاء “في النص ضرورة إعادة رسملة مصرف لبنان بمليارين ونصف دولار أميركي من خلال سندات مالية (المادة /3/). ويسأل علامة: كيف تم تحديد المبلغ المطلوب ؟ وما هو نوع السندات التي ستبيعها الدولة وكيف ولصالح من؟ الواقع ان الدولة اللبنانية تعتبر متوقفة عن الدفع منذ آذار 2020 بعد أن أعلنت حكومة الرئيس حسان دياب التوقف عن دفع سندات اليوروبوند وتعثرت بعدها في دفع كامل السندات المستحق، هذا فضلا عن أن المبلغ المذكور في مشروع القانون تتجاوز قيمته الفعليّة قيمة كل سندات اليوروبوند، التي فشل لبنان في التفاوض عليها حتى اليوم”.اما جابر فيسأل بدوره هل تستطيع الدولة التي طرحت المشاركة ان تعيد رسملة مصرف لبنان في ظل حالة عدم الثقة المتجذرة بالدولة وبمصرف لبنان والمصارف خصوصا وان طرح سندات لا بد وان يقابله عامل الثقة .لقد أضافت الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من مشروع القانون على أنه سيعمل على “مُعالجة قسم من إلتزامات مصرف لبنان للمصارف بشكل يؤمّن تغطية الديون التي قد تكون مُستحقّة للمصارف تجاه مصرف لبنان” لكن الملاحظة الأهم، تبقى بحسب علامة، هي أن مشروع القانون الراهن قد وسّع من نطاق “الودائع غير المؤهّلة” التي لن تشمل فقط السيولة المتأتية من عمليّات تحويل من الليرة إلى الدولار بعد تاريخ 17 تشرين الأوّل 2019، بل ستشمل أي أموال ناتجة عن الفوائد المرتفعة والتحويلات أو الشيكات أو غيرها من العمليّات والأدوات مما يعني أن لائحة الودائع غير المؤهلة ستكون طويلة ومن غير الواضح كيف سيتم سدادها وعلى أي سعر صرف سيتم سدادها.اما جابر فيعتبر تصنيف ودائع مؤهلة وودائع غير مؤهلة، مع اهميته، ظلما لودائع النوايا الحسنة التي تحولت بعد ذلك التاريخ. لقد نص مشروع القانون على إمكان سداد جزء من دفعات الودائع المؤهلة بالليرة على أساس سعر ” منصّة صيرفة ” الذي سيصبح سعر السوق بعد توحيد أسعار الصرف، وهذا الأمر غير واضح حصوله أو كيفية حصوله وعلي أي سعر خاصة، علماً أن سعر منصة صيرفة اليوم لم يعد يعكس الواقع الحقيقي لليرة اللبنانية في الأسواق اللبنانية. وهنا أيضاً برزت عبارة الليلرة Larification أي التحويل الى الليرة وقد أدخلت ضمن التشريع بشكل غير واضح علماً أن القانون بالمبدأ يقف ضد هذه العملية في أنظمة الإقتصاد الرأسمالي الحر، يقول علامة.اما جابر فيسال من جهته من اين ستؤمن هذه المبالغ وهل سيدفع البنك المركزي الى طباعة العملة وكيف ستتم مواجهة زيادة الكتلة النقدية نتيجة لها الاجراء وماذا عن التضخم المتراكم؟ ويضيف جابر تعليقا على المادة التاسعة التي تخضع الودائع المؤهلة وغير المؤهلة في المصارف غير القابلة للاستمرار الى احكام قانون معالجة اوضاع المصارف في لبنان واعادة تنظيمها، اين لجنة الرقابة على المصارف في حماية الودائع من خلال مراقبتها لعمل المصارف ومن يحمي تلك الودائع وكيف ستحاسب المصارف؟ في المقابل يتحدث مشروع القانون في المادة الثالثة عشر “صندوق استرجاع الودائع” الذي نصّت عليه خطّة الحكومة للتعافي المالي، وذلك وفقاً لشروط تمويل من إيرادات الدولة، منها:- تجاوز هذه الإيرادات معايير محدّدة مقارنةً بدول مشابهة.- وصول الدين العام إلى أقلّ من المستوى المستهدف .- المحافظة على النفقات الاجتماعية وعلى إمكانية تمويل أي عجز في الموازنة من غير مصرف لبنان. ويعتبر جابر أن هذا الصندوق في غاية الاهمية ويشكل ضرورة ، اذا احسنت ادارته ، لكن المهم في نهاية المطاف ضرورة ان يستعيد القطاع المصرفي عافيته وثقة المودعين به، فالمودعون لا يريدون اكتناز اموالهم في منازلهم ويتحملون اعباء ومخاطر اكتنازها انما يريدون حمايتها وابقاءها في المصارف فهي الملاذ الامن فيما لو كانت قوية. اما علامة فيسأل هل أن تمويل عجز الموازنة يأتي قبل تمويل الصندوق الذي يفترض أن يعالج مسألة الودائع؟لقد ذكر في مشروع القانون أن تفعيل الصندوق سيُثقل ميزانيّة الدولة ومن إمكانيّة النهوض والتعافي الاقتصادي السليم نظراً إلى أنه سيخصص نسبة من إيرادات الدولة لتسديد دفعات الصندوق، و ترك مشروع القانون في المادة الحادية عشر مسألة “استرجاع الودائع أو أي قسم منها بوضعية كل المصرف وخصوصاً ملاءته وسيولته بعد أن يكون قد خضع لأحكام “قانون معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها”، مما يعني، بحسب علامة أن مسألة إسترجاع الودائع لاتزال بعيدة رغم أن الهدف من مشروع القانون وفق ما نصّت عليه المادة الأولى هو “معالجة الفجوة المالية للنظام المصرفي في لبنان وتداعياته على المودعين وفقاً لأولوية تضمن حماية حقوق المودعين لأقصى حدّ ممكن.وبينما ينص مشروع القانون على أن موجودات الصندوق تتكوّن من الأموال المسروقة والمهرّبة وغير المشروعة، إلا أن مصادر التمويل الأخرى غير محدّدة النسب، يقول علامة، وهي تسبّب خسائر عملاقة على عاتق القطاع المصرفي وعلى المودعين بشكلّ خاص فضلاً عن تغيير وجه لبنان الذي طالما تميّز بقطاعه المصرفي. فأين مساهمة الدولة طالما أن المودعين سيموّلون الصندوق؟في المقابل، فإن وجهة نظر الحكومة تعارض وجهتي نظر علامة وجابر، من منطلق أن الملاحظات التي تقدم بها الخبيران الاقتصاديان لم تأخد بعين الاعتبار أن هناك مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف الذي تقدم مواده تفسيرا على كل الملاحظات التي تطرح والتي قد تكون موجبة لو كان مشروع التوازن المالي لا يشكل ملحقا لمشروع قانون إعادة هيكلة المصارف.وتقول مصادر حكومبة معنية إن مشروع إعادة هيكلة المصارف انتهى العمل عليه بين لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان وفريق عمل الحكومة برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي وسوف يحال قريبا على مجلس النواب خاصة وأنه يشكل جزءا من الانجازات المسبقة التي يطالب بها صندوق النقد الدولي ربطا بموازنة العام 2022التي اقرت، وقانون السرية المصرفية الذي اعاده رئيس الجمهورية الى مجلس النواب ورفض صندوق النقد التعديلات التي أدخلت اليه معتبرا ان قصور رئيسية تشوبه، والكابيتال كونترول الذي لا يزال عالقا في مجلس النواب بفعل الخلافات السياسية.