يدور في الكواليس كلام عن إمكانية عودة التيار الكهربائي بين 8 و10 ساعات في اليوم. لكنّ ذلك سيكون مرهوناً بمعطيات سياسية وتقنية ونقدية عدّة، يتقاطع بعضها مع موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأوّل الحالي، لكنّ البعض الآخر منها قد يصعب تلبيته.
الموقع “لبنان 24” نقل عن “مصادر في مؤسّسة كهرباء لبنان”، أنّ الفيول المطلوب لتوفير هذا العدد من ساعات التغذية، سيكون مرهوناً برفع تعرفة الكهرباء إلى نحو 0.27 دولار أميركياً لكلّ كيلوواط في الساعة، محسوبة على سعر منصّة صيرفة (29,800 ليرة اليوم)، أي قرابة 8 آلاف ليرة لبنانية.
فيما سعر الكيلوواط/ساعة اليوم يُقّدر بنحو 475 ليرة لبنانية فقط. على أن تحتسب الشركة أوّل 100 كيلوواط بـ10 سنتات (3 آلاف ليرة)، وذلك لحماية الطبقات الفقيرة ولحضّ جميع المواطنين على الاقتصاد في استهلاك الطاقة.
نقل الموقع عن مصادر المؤسّسة المذكورة أنّ تعرفة الـ27 سنتاً ستكون مرهونة هي الأخرى بشرط أساسي يتعلّق بـ”التزام الإدارات والمؤسّسات العامّة بتسديد فواتير الكهرباء الخاصّة بها”، والتي تبلغ قيمتها نحو 230 مليون دولار سنوياً، وذلك حتى تتمكّن الدولة اللبنانية من استيفاء المبالغ المطلوبة لشراء الفيول.
أمّا في حال رفضت الإدارات الرسمية فإنّ الشركة ستكون مضطرّة إلى رفع التعرفة إلى 37 سنتاً بدلاً من 27 سنتاً، مع زيادة الرسوم الثابتة بمعدّل 30% عمّا كانت عليه من قبل.
بعد رحيل عون
على الرغم من أنّ الموقع اعترف صراحة بأنّ رفع التعرفة لم يبصر النور حتى اللحظة، لكنّه أكّد أنّ الأمر “سيكون ممكناً في المقبل من الأيام”، وربّما قصد بعد رحيل ميشال عون عن بعبدا. وحسم الموقع أيضاً أنّ ذلك سيحصل بواسطة “الجهات المعنيّة”، من دون أن يذكر من هي تلك الجهات، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ “الأمور إيجابية”.
يقول مطّلعون على تفاصيل هذا الملفّ إنّه اليوم في عهدة الولايات المتحدة الاميركية، وهو على علاقة وثيقة بملفّ ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. إذ تشير المعلومات إلى أنّ مساعدة لبنان من خلال استجرار الطاقة من الأردن ربّما تُفرَج عنه أميركا بعد إنجاز الترسيم، خصوصاً أنّ العقبات التقنية التي كانت موجودة لدى الجانب السوري قد أُنجزت أيضاً.
وأمس اتصل الرئيس الأميركي جو بايدن بالرئيس عون وهنّأه على توقيع الترسيم، وأكّد وقوفه إلى جانب لبنان لتحقيق الإستقرار. فهل تكون هذه “إشارة الانطلاق”؟
أمّا الغاز المصري فتشوبه بعض التعقيدات المتعلّقة بالتسعير، لأنّ الاتفاق حصل قبل ارتفاع أسعار الغاز نتيجة الحرب الأوكرانية، وبالتالي قد يفتح الاتّفاقُ على التسعيرة الجديدة الأبواب أمام وصول الغاز المصري إلى المعامل اللبنانية فوراً.
ولمّا كان التوقيع على اتفاق الترسيم قد استغرق بعضَ الوقت نتيجة الملاحظات اللبنانية التي أخّرت بتّه، إلّا أنّ النتائج المنتظرة بعد التوقيع، ومنها ملفّ الكهرباء، ستكون كلّها في ما يبدو بعد نهاية عهد ميشال عون.
من سيتكفّل بالجباية؟
بمعزل عن هذه التفاصيل، ثمّة معوّقات أبعد من تلك التقنيّة. فالسلطة مثلاً لم تخبرنا كيف ستتمكّن من ضبط الجباية؟ وما هي الوسيلة التي ستستطيع بها أن تكافح السرقات والتعليق على الشبكات؟ خصوصاً إنْ قامت فعلاً برفع التعرفة التي ستمسي حافزاً إضافياً للتهرّب من الدفع والتعدّيات؟ وكيف ستدخل إلى المناطق “المقفلة” بوجه الجباية؟
أضف إلى هذا كلّه، لم تخبرنا السلطة كيف ستحوّل هذا الكمّ الكبير من الليرات اللبنانية إلى دولارات؟ هل تسمح احتياطات مصرف لبنان بذلك؟
في هذا الإطار لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الاستهلاك الشهري لمنزل متوسّط الحجم، يبلغ قرابة 500 كيلوواط/ساعة شهرياً. وإذا كانت مؤسّسة “كهرباء لبنان” جدّيّة في احتساب أوّل 100 كيلوواط/ساعة بسعر 0.10 دولار، فإنّ هذا الأمر يعني بطبيعة الحال أنّ الفاتورة الشهرية لكلّ منزل متوسّط الاستهلاك ستكون قرابة 1.5 مليون ليرة شهرياً مقابل تغذية يبلغ معدّلها 10 ساعات يوميّاً. أما متوسط سعر الكيلواط/ساعة في السوق اليوم، يتراوح بين 40 و60 سنتاً، أي بمعدّل 0.50 دولاراً، وهو ما كلفته اليوم قرابة 250 دولاراً مقابل 14 ساعة، ما سيوفر على العائلة بين 100 و200 دولاراً “فريش”، بحسب الاستهلاك.
أمّا إذا ارتفعت التغذية إلى 24/24، فستكون الفاتورة الشهرية المتوسّطة لأيّ منزل قرابة 3.5 ملايين ليرة لبنانية، أي أقلّ من فاتورة اشتراك يبلغ تيّارها الكهربائي 5 أمبيرات، مع تغذية أكثر بنحو 14 ساعة. لكنّ الأمر الصعب الذي سيترتّب على مؤسسة كهرباء لبنان بعد ذلك هو ضبط الجباية ومكافحة المخالفات.
وعليه، يمكن الاستنتاج سريعاً أنّه لا يمكن الاكتفاء بخيار رفع التعرفة من دون وجود قدرة جدّيّة لدى المؤسسة على تحصيل الأموال ورفع المخالفات، ولا يمكن إطلاق الوعود بقرب وصول الفيول من هنا أو هناك، أو استجرار الطاقة من دون الخوض في تفاصيل الجباية وتحويل أموالها إلى دولارات.