ضاعت الحكومة بين فرحة ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي، وبين الانشغال في التحضير للجلسة الثانية لانتخاب رئيس للجمهورية، فغاب ذكرها، ولم يعد أحد يتابع ملفها، حتى أن الرئيس نجيب ميقاتي عندما تحدث للصحافيين بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا أمس الأول لم يُسأل عنها، لم تركزت الأسئلة على تفاصيل الترسيم وخفاياه وتصويت لبنان في الأمم المتحدة على ضم روسيا للأقاليم الأوكرانية الأربعة.
اليوم الكل منشغل في الجلسة الرئاسية التي لن تفضي الى أي نتيجة إيجابية، في الوقت الذي يفتش فيه أكثرية نواب الأمة عن شعار ينتخبونه في ظل غياب أي مرشح جدي أو توافقي، فيما يستمر ترشيح ميشال معوض من قبل القوات والكتائب والاشتراكي، ويغيب تكتل لبنان القوي مع بعض الحلفاء عن الجلسة بحجة تزامنها مع ذكرى 13 تشرين، ما يؤكد أن الاستحقاق الرئاسي ما يزال ضمن “حارة كل مين إيدو إلو” التي ستوصل البلاد الى الشغور الحتمي، والى “صداع” سياسي يرافق خروج ميشال عون من قصر بعبدا خصوصا في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال.لم يعد هناك من عاقل يفكر في إمكانية تشكيل الحكومة لسببين:
الأول، بفعل الوقت الذي داهم الجميع حيث لم يتبق الى يوم 20 تشرين الأول سوى سبعة أيام بما فيها عطلة نهاية الاسبوع، يتحول بعدها مجلس النواب حكما الى هيئة ناخبة لا يستطيع التشريع أو الرقابة، وبالتالي لم يعد ممكنا تأليف حكومة وإصدار مراسيمها وإعداد بيانها الوزاري وإنعقاد جلسة نيابية لمنحها الثقة في أيام لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وفي حال تشكلت بعد 20 الشهر الجاري فلن يستطيع مجلس النواب مناقشة بيانها الوزاري وإعطائها الثقة فتتحول حكما الى حكومة تصريف أعمال، ما يعني أن البقاء على الحكومة الحالية بات أمرا واقعا من المفترض أن يتعامل معه الجميع بواقعية.والثاني، الشروط التعجيزية التي يصر النائب جبران باسيل عليها سواء في تغيير جميع الوزراء المسيحيين بما يؤدي الى ضرب التوازنات داخل الحكومة، أو في وضع جدول أعمال مجلس الوزراء وإستخدامه لتصفية الحسابات ولوضع اليد على السلطة والدخول الى العهد المقبل كشريك مضارب مع رئيس الجمهورية الجديد، ولم يعد خافيا على أحد أن باسيل يصادر توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون الى حين تحقيق هذه الشروط التي يرفضها الرئيس ميقاتي الذي لن يعطي باسيل ما لم يستطع تحقيقه طيلة ست سنوات، ويلتزم في الوقت نفسه بالدستور وبالثوابت والمسلمات في تشكيل حكومة تحاكي تطلعات السواد الأعظم من اللبنانيين.أمام هذا الواقع، فإن حزب الله الذي سعى بكل ما لديه من نفوذ خلال الأيام الماضية لتشكيل حكومة يبدو أنه وصل الى طريق مسدود مع باسيل الذي يمارس أسوأ أنواع الأنانية سواء في الحكومة أو في ملف رئاسة الجمهورية غير آبه بمصالح الخط السياسي الذي يدعي الانتماء إليه أو بتحالفاته التي يضربها بعرض الحائط بمواقف تحريضية وطائفية تراكم المزيد من الأخطاء لدى الحلفاء.
إذن، لا حكومة خلال الأيام المقبلة، إلا في حال حصول معجزة في زمن لبناني لم يعد فيه مكان للمعجزات، وبالتالي فإن البلاد مقبلة على هرطقات دستورية سوف يلجأ إليها باسيل أو قد يدفع عمه الرئيس ميشال عون اليها عبر مغامرات سياسية لن تكون في مصلحة أحد، خصوصا أن الدستور واضح ولا مجال للاجتهاد في معرض النص، وكل ما يتم تسريبه من خطوات قد يلجأ فريق العهد إليها هو وجه من وجوه إغتصاب السلطة التي من المفترض وبحسب الدستور أن تُناط في حال حصول الشغور الرئاسي الى مجلس الوزراء مجتمعا!..