إتّفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل… هل أفقد روسيا أبرز أسلحتها ضدّ الغرب؟

14 أكتوبر 2022
إتّفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل… هل أفقد روسيا أبرز أسلحتها ضدّ الغرب؟


منذ إندلاع الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة في شباط الماضي، سارعت الولايات المتّحدة الأميركيّة والدول الأوروبيّة إلى إيجاد بديل عن النفط الروسيّ بعدما دخلت في أزمة طاقة غير مسبوقة، فوضعت تركيزها على ثروات حوض البحر المتوسّط، وخصوصاً المنطقة البحريّة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. وقد نجحت المفاوضات بمساعٍ أميركيّة، واستطاعت واشنطن منع التصعيد بين “حزب الله” وتل أبيب من جهّة، ويقول مراقبون من جهة ثانيّة، إنّ وحدة الموقف اللبنانيّ بين الرؤساء الثلاثة عامل مهمّ في الوصول لصيغة لبنانيّة متناسقة، إضافة إلى منطق القوّة الذي فرضه “الحزب” على إسرائيل، من خلال منعها من التنقيب قبل الإتّفاق، وتلويحه بالحرب وضرب المنصات في حقل “كاريش”.

 
ويلفت مراقبون إلى إنّ الحاجة الغربيّة للغاز عجلّت في إنجاز مسوّدة ملف الترسيم، التي وافقت عليها بشكل مُعجّلٍ الحكومة الإسرائيليّة. فتل أبيب استقدمت باخرة للتنقيب، وهي حاضرة لاستخراج الغاز والنفط من البحر، لما سيعود عليها من أرباح إقتصاديّة خياليّة لسدّ عجز السوق الأوروبيّ الذي يُعاني من نقصٍ حادٍّ، جراء إستعمال الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين سلاح الطاقة ضدّ دول “الناتو”، ردّاً على العقوبات على موسكو.
 
ويُعيد مراقبون التذكير بجولة الرئيس الأميركيّ جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط منذ أشهرٍ قليلة، والتي أتت في الموقع الأوّل للطلب من الدول الخليجيّة زيادة إنتاج نفطها، مقابل ضمان أمنها من التهديدات الإيرانيّة بشكل أساسيّ. وقد قرّرت منظّمة “أوبك +” منذ أيّام خفض الإنتاج، ما رأت فيه الإدارة الأميركيّة أنّه يستهدفها، ويطال حلفاءها ويخدم روسيا، ما دفع واشنطن إلى إعادة تقييم علاقاتها مع الرياض. وبالتزامن مع هذا التطوّر النفطيّ السلبيّ لأميركا، كانت إسرائيل رافضة للملاحظات اللبنانيّة بشأن ترسيم الحدود، ووضعت قوّاتها بحالة جهوزيّة تخوّفاً من عمل حربيٍّ من ناحيّة “حزب الله”.
 
ويُشدّد مراقبون على أنّ الحاجة الأميركيّة للنفط حالت دون إندلاع صراعٍ على الحدود الجنوبيّة، فقد دخل “حزب الله” وإسرائيل في معادلة جديدة في أيّ حربٍ مقبلة، وهي ضرب منصات التنقيب، ما سيُؤدّي إلى قطع الإمدادات للدول الأوروبيّة والعاصمة الأميركيّة حالاً، وسيُعيدها إلى الحضن الروسيّ عبر وقف مدّ كييف بالأسلحة، وإكساب المعركة الأوكرانيّة لبوتين. ويُشير مراقبون إلى أنّ دولاً بارزة كفرنسا تعاني من أزّمة وقود خانقة، وقد بدأت السيارات تصطف في طوابير جراء نفاد البنزين من عدّة محطات. كذلك، وبسبب النقص في النفط، أقفلت مصانع أوروبيّة ومعامل طاقة كثيرة، ودخلت معظم البلاد هناك في ركود إقتصاديّ غير مسبوق. ويُؤكّد المراقبون أنّ الإقتصادات الغربيّة تعمل على الطاقة، ومن دونها تنهار بشكل دراماتيكيّ، من هنا، أتت مواكبة باريس لملف الترسيم، وتابعته حتّى النهاية.
 
وبالعودة إلى الإتّفاق بين لبنان وإسرائيل، فبعد التهديد بالتصعيد والحرب بين كلا الجانبين، يلفت مراقبون إلى نقطة أساسيّة، وهي أنّ الإحتقان الحدوديّ سينخفض بشكل كبيرٍ، وستكون منطقة الحوض المتوسّط مستقرّة، لما تُمثّله من أهميّة قصوى ليس فقط لبيروت وإسرائيل، وإنّما لدول العالم، ريثما تنتهي الحرب الأوكرانيّة، ويعود السلام لأوروبا.
 
ويُضيف مراقبون أنّ الحدود الجنوبيّة ستنعم بالسكينة أيضاً، نظراً لأنّه أصبح هناك ترابطاً بين البحر والأرض، وقد أعلن السيّد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، أنّه يُؤيّد الموقف الرسميّ الذي يصدر عن الرؤساء الثلاثة، ما يعني أنّ موضوع الحرب ليس وارداً في الوقت الراهن، لانشغال إسرائيل بتحقيق أرباحها الإقتصاديّة، وحاجة لبنان الماسة إلى إستقدام شركة “توتال” الفرنسيّة، للتنقيب واستخراج النفط، والخروج من الأزمة الماليّة والنقديّة والمعيشيّة التي يمرّ بها منذ العام 2019. ويقول المراقبون إنّ “حزب الله” لن يدفع نحو الحرب تجاه العدوّ، وقد أتت الفرصة لإنعاش الإقتصاد اللبنانيّ، عن طريق النفط والغاز، و”الحزب” هو الذي أعلن نفسه مدافعاً عن الثروات البحريّة لإنجاز إتّفاقٍ عادلٍ يحفظ حقوق لبنان.
 
وقد أبدت الدول الغربيّة إرتياحها تجاه إتّفاق الترسيم بين لبنان وإسرائيل، ورحّبت به سريعاً، غير أنّ روسيا تُعتبر أبرز الخاسرين منه، لأنّه سيُفقدها عامل الضغط النفطيّ على بلدان “الناتو” التي تُقدّم الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا. ويُشير مراقبون إلى أنّ الدول الأوروبيّة ستتمكّن من تزويد كييف بالمزيد من الأنظمة الدفاعيّة والهجوميّة في المستقبل القريب، مع تأمينها مورداً جديداً للغاز، واستطاعتها التخلّص من الطاقة الروسيّة في وقت أقرب من الذي حدّدته. ويُتابع المراقبون أنّ ثروات حقول البحر المتوسّط، ستكون عاملاً جديداً لخسارة روسيا الحرب، ومقاومة الجيش الأوكرانيّ للهجومات.
 
ويختم مراقبون أنّ لبنان صوّت ضدّ القرار الروسيّ بضمّ موسكو 4 مناطق أوكرانيّة إليها، وهي لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون. ويربط المراقبون هذا الإتّجاه الجديد في السياسة الخارجيّة اللبنانيّة بموضوع الإتّفاق الحدوديّ، والدور الذي لعبته الولايات المتّحدة الأميركيّة في إنجازه.