من حقّ الرجل أن يقول ما يحلو له؛ ومن حقّه أن يوزّع الإتهامات شمالًا ويمينًا؛ ومن حقّه أيضًا حتى تزوير التاريخ والحقائق؛ ومن حقّه أن “يفشّ خلقه وخلق” الذين تجمّهروا حوله في ذكرى أليمة ذهبت ضحيتها خيرة من شباب الجيش ، الذين غُرّر بهم، فكانوا ضحية “شهوة السلطة”؛ ومن حقّه أيضًا وأيضًا أن “يشيل” ما فيه ويلصقه بغيره؛ من حقّه أن “يتمرجل” ويعرض عضلاته المنفوخة بقوة غيره؛ من حقّه أن ينسب إلى شخصه ما هو نتيجة جهد جماعي؛ من حقّه كل هذا.
فنائب البترون جبران باسيل، الذي وجد نفسه في نهاية الطريق وحيدًا، كان يأمل في نهاية “عهد الإنجازات” أن “يترجاه” الجميع لكي يتنازل ويقبل أن تؤول رئاسة الجمهورية من بعد الرئيس ميشال عون إليه مباشرة، وذلك لـ”مكافأته” على ما أنجزه. ولكن المفاجأة أن إسمه لم يطرحه أحد كمرشّح للرئاسة، حتى أقرب المقرّبين إليه، مع العلم أنه يطرح نفسه كـ”مرشح طبيعي”، بإعتباره رئيس تكتل نيابي وازن. وتعويضًا على ذلك نقول إنه يحق له ما لا يحقّ لغيره.
أمّا لماذا لم يرشّحه أحد حتى أقرب المقرّبين منه، والمقصود هنا “حزب الله”، كما فعل قبل ثماني سنوات ونصف السنة مع العماد عون؟ نسأل ويأتينا الجواب، ولو بطريقة فيها الكثير من التورية.
مع تقدير “حزب الله” لما قدّمه الرئيس عون من دعم معنوي لـ”المقاومة” في أعلى المنابر العربية والدولية، والدفاع المستميت عنها غير القابل للمساومة، إلاّ أن ما رافق العهد من أخطاء نتيجة سوء تقدير، وبسبب تحكّم الأنانية بكل القررات التي كانت تّتخذ على حين غرّة، أدّى إلى كل هذه المآسي التي عاشها ولا يزال يعيشها اللبنانيون، جميع اللبنانيين.
لا يحمّل “حزب الله” وزر ما يعانيه اللبنانيون إلى الرئيس عون، بل إلى صهره، الذي كانت له اليد الطولى في إفشال العهد، وإيصال البلاد إلى هذه الحال المهترئة التي وصلت إليها، وإلى هذه العيشة المقرفة التي يعيشها اللبنانيون. ولم تكن نقمة “ثوار 17 تشرين الأول”، “هيلا هيلا”، وليدة الصدفة، أو مجرد “صلبطة” على شخص لا ناقة له ولا جمل في كل ما حصل ويحصل.
ففي الذكرى الثالثة لقيام هذه “الثورة”، وعلى رغم الملاحظات الكثيرة التي تؤخذ عليها، فإنه لا بدّ من الإعتراف بأن الذين نزلوا يومها إلى الطرقات وملأوها في كل المناطق اللبنانية، حتى في المناطق الخاضعة لنفوذ “الثنائي”، كان دافعهم التصويب على الأخطاء السياسية والإقتصادية التي إرتكبت ولا تزال تُرتكب في حقّ الشعب اللبناني برمّته.
وبالعودة إلى “الفضائل الباسيلية” فإنه يمكن القول أن الرجل، الذي يرى أن حلمه لم يتحقّق ولن يتحقّق، أراد أن ينهي ما تبّقى له من أيام في بعبدا بـ”رايح كتّر القبايح” كـ”رئيس ظل” كما قال عنه الرئيس سعد الحريري، وكما سبق أن صارح به الرئيس نبيه بري العماد عون في اللقاء الذي جمعهما قبل الجلسة الرئاسية بأيام عندما قال له: لن أعطيك صوتي لأنني لا أستطيع أن أصوت لرئيسين: أنت وجبران. وكان من المفروض أن يرافق جبران “الجنرال” في زيارته لعين التينة، لكنه عدل عن ذلك لأسباب نتحفّظ عن ذكرها إلى أن يحين وقتها.
لهذه الأسباب لم يقدم “حزب الله” على تسمية جبران باسيل كمرّشح وحيد له، وهو شاهد من بين ملايين على أن العهد كان من الممكن أن ينجح لو لم تكن “الأيدي الخفية” تمعن في تشويه مواقف الرئيس عون من وراء الستارة. ولو لم تكن للمجالس أمانات لكنا سردنا أكثر من قصّة عن “التدخّل الباسيلي” في القرارات الرئاسية، وآخرها في ملف ترسيم الحدود.
لا أدري لماذا تخطر على بالي كثيرًا هذه الأيام ما كان يقوله طانوس (نقولا دانيال) لإبنه جبران (سلطان ديب) في مسلسل “قلبي دق” عندما كان يحشر أنفه في ما لا علاقة له به.