حسمها رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، وأعلن أنّ الرئيس ميشال عون “راجع”، لكن هذه المرّة، إلى الرابية، بعد انتهاء ولايته الرئاسية في 31 تشرين الأول الجاري، داعيًا لملاقاته في “رحلته” من بعبدا إلى الرابية، حيث سيبدأ “مرحلة جديدة من النضال”، بعدما يكون قد “تحرّر” من “قيود” الرئاسة، تمهيدًا لاستكمال معركة “بناء الدولة”، كما قال في خطابه “الجماهيري” قبل يومين.
باختصار، أطلق باسيل “العدّ العكسيّ” للحظة مغادرة الرئيس قصر بعبدا، التي تشير المعلومات المتداولة إلى أنّها ستتمّ قبل انتهاء الولاية الرئاسيّة بأكثر من 24 ساعة، وتحديدًا عصر يوم الأحد 30 تشرين الأول، كرمى لـ”المشهد الاستثنائي” الذي يعدّ له “التيار الوطني الحر”، من أجل تكريس خروج عون “منتصرًا” من بعبدا، تمامًا كما دخلها قبل ستّ سنوات، بمواكب شعبيّة قلّ نظيرها، رغم اختلاف الظروف، وربما “انقلابها”.
وإذا كان باسيل افتتح النقاش باكرًا حول “تموضع” عون بعد أن يصبح رئيسًا “سابقًا”، ملمّحًا إلى عودته إلى الموقع “الأحبّ” إلى قلبه، في المعارضة، هو الذي لم يعتبر نفسه يومًا جزءًا من “المنظومة”، فإنّه فتح الباب أمام الكثير من علامات الاستفهام حول ما قد يحملهما الأسبوعان الأخيران من “العهد”، واللذان يصنّفهما المحسوبون عليه على أنّهما “مفصليّان ومصيريّان”، بل يوازيان في الأهمية السنوات الستّ مجتمعةً!
“انقلاب الصورة”
خلافًا لما كانت الصورة عليه قبل أيام، يبدو مناصرو الرئيس ميشال عون أكثر من “مرتاحين” قبل أسبوعين من انتهاء “العهد”، حتى لو أنّ صورة ما بعد 31 تشرين الأول لا تزال ضبابية، وربما سوداوية، في ضوء “التعقيدات” المحيطة بالاستحقاق الرئاسي، وغياب أيّ مؤشّرات توحي بإمكانية انتخاب رئيس جديد في المهلة القانونية، ومن دون أن تكون أيّ حكومة قد تشكّلت كما يطالب “العونيون”، ولو أنّ الرهان على “ربع الساعة الأخير” يبقى واسعًا.
بالنسبة إلى “العونيّين”، فإنّ إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل كان كافيًا لتحقيق “انقلاب الصورة”، فالعهد الذي أراد البعض أن يذكره التاريخ على أنّه “عهد الانهيار والسقوط”، على وقع الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يواجهها لبنان، والتي جاءت نتيجة الكثير من “التراكمات” الممزوجة بـ”المؤامرات” كما يقول مؤيدو الرئيس، كتب التاريخ في الاتجاه المعاكس، من خلال إبرامه الاتفاق “الحلم” الذي اعتُبِر “سابع المستحيلات”.
وانطلاقًا من هذا “الإنجاز” الذي أراح “العونيّين” نفسيًا، بعدما كاد بعضهم يتلو فعل “التوبة” على عهدٍ لم يكن على قدر الآمال والطموحات، استنادًا إلى كلمة باسيل الشهيرة “فشلنا”، المبرَّرة بشعار “ما خلّونا”، يتفاءل هؤلاء بالأسبوعين الأخيرين أيضًا، وهم يعتقدون أنّ اتفاق الترسيم من شأنه أن يفتح الباب أمام “الانفراجة الحكوميّة” الموعودة، باعتبار أنّ “التيار” سبق أن أعلن صراحةً أنّ “أي حكومة تبقى أفضل من لا حكومة”، منعًا للدخول في “الفراغ”.
“رمزية” وأكثر..
لكن، بمعزل عن المسار السياسي المرتقب، ومصير الحكومة، والاجتهادات المرتبطة بصلاحية حكومة تصريف الأعمال باستلام صلاحيات الرئيس، فإنّ ما يشغل بال “العونيّين” اليوم أكثر من أيّ شيء آخر، يبقى ضمان “الخروج اللائق” لـ”الرئيس القوي” من قصر بعبدا، وذلك لاعتبارات سياسية مرتبطة بما يعتبرونه “نموذجًا جديدًا” جسّده الرئيس رغم كلّ ما تعرّض له، ولكن لاعتبارات شكليّة أيضًا، مرتبطة بـ”رمزية” اللحظة “التاريخية” المنتظَرة.
يقول الدائرون في فلك “التيار” إنّ التحضيرات للحظة خروج الرئيس عون من بعبدا لا توازي تلك التي سبقت دخوله إلى القصر الجمهوري، بعد نضال طويل، فحسب، بل تفوقها من حيث الأهمية بدرجات، ليس لأنّ عون أسّس كما يقول لـ”مقاربة” جديدة لهوية وشخصية رئيس الجمهورية، بعيدًا عن اللون “الرمادي” الذي سيطر تاريخيًا على القصر، ولكن للتأكيد أنّ الرئاسة لم تغيّره، فكما دخل باحتضان شعبي، يخرج من القصر باحتضان أكبر رغم كلّ شيء.
قد تكون مثل هذه اللحظة “وجدانية” في القاموس “العونيّ”، ومرتبطة بالرغبة بالتأكيد على الولاء لـ”الجنرال”، خلافًا لما تروّج له بعض الأوساط عن تراجع شعبيّته، لكنّ أهمّيتها برأي الكثير من المتابعين، تكمن في ما تؤسّس له لمرحلة ما بعد 31 تشرين الأول، لأنّ الرئاسة لن تكون “القمّة” التي “يعتزل” بعدها عون كما فعل غيره، بل مجرّد “محطة” تؤسس لاستكمال “النضال” بأشكال جديدة، وفق ما يقول “العونيون”، وهنا تحديدًا “بيت القصيد”.
يعلّق “العونيون” أهمية قصوى على الأسبوعين الأخيرين من “العهد”، ولو أنهم يدركون أنّ ما عجزوا عن تحقيقه خلال ستّ سنوات، لن ينجَز خلال أيام معدودة، حتى لو توافرت عصا سحرية في مكان ما. لكنّ المهم بالنسبة إليهم، هو “مراكمة المكاسب”، إن جاز التعبير، مكاسب يريدون “توظيفها” في المرحلة المقبلة، في الرئاسة تحديدًا، بما يجعلهم “رابحين”، كيفما مالت السفن والرياح…