ليس صعبا على من يراقب الواقع السياسي في لبنان ان يلاحظ ان مؤشرات تسوية ما بدأت تظهر، ولعل حصول الاتفاق على ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل كان المؤشر الاكبر والمدخل الاساسي للتسويات الاخرى التي ستسيطر على المشهد في الاشهر المقبلة.
لكن السرعة التي طرحت فيها مسألة الحوار بين القوى السياسية في جنيف والعشاء الذي دعت اليه السفيرة السويسرية في بيروت، قبل تأجيله، كتمهيد لهذا الحوار، تعني ان الملف اللبناني وضع كأولوية جدية لدى الغرب للوصول فيه الى شط الامان، منعا لأي تطور غير محسوب.
بغض النظر عن الجهة التي دعت الى العشاء والحوار لكن أصل الدعوة في سويسرا ذات الارتباطات الدولية المعروفة يعني ان هناك مَن يريد جس النبض لمعرفة توجهات القوى السياسية وسقوفها السياسية وتحديداً بعد ان طويت مرحلة الضغوط الاقتصادية مع انجاز مرحلة الترسيم البحري وبدء مرحلة التنقيب عن الغاز.
يبدو أن اصل الدعوة الى حوار في خارج لبنان يعيد اللاوعي الجماعي اللبناني الى حوارات مماثلة ادت الى اتفاقات مثل الدوحة والطائف. وبما أن الحوار سيعقد في جنيف أعيدت الى الاذهان الدعوة الفرنسية التي أعلنها الرئيس ايمانويل ماكرون خلال زيارته بيروت بعد انفجار المرفأ والتي طالب فيها بالوصول الى تغيير النظام السياسي في لبنان.
وبحسب مصادر مطلعة فإن رد الفعل الاول على جس النبض السويسري كان من قبل السعودية، اذ ان اعتذار “القوات اللبنانية”، حليف الرياض الاساسي، بشكل مفاجئ عن المشاركة في العشاء لدى السفيرة السويسرية اوحى بأن الرياض تريد رسم خطوط حمراء امام اي محاولة للمس بالطائف.
جاء اعتذار “القوات” بالتوازي مع تصريحات لبعض النواب المقربين من السفير السعودي في بيروت وليد البخاري ترفض المس بالطائف، اضافة الى زيارتين مفاجئتين للبخاري الى الرئيسين عون وبري، واطلاقه تغريدة عن اهمية النظام الحالي ومخاطر تعديله او تغييره، الامر الذي وضع خطاً احمر كبير امام محاولة مقبلة تقوم بها اي دولة من دون التنسيق مع الرياض او مراعاة اولوياتها على الساحة اللبنانية.
لم تفشل بالضرورة المبادرة السويسرية، في الاصل قد يكون احد اهم اهدافها معرفة السقوف السياسية للقوى السياسية وللدول المعنية بلبنان، اذ من المتوقع ان يستمر الحراك الديبلوماسي الغربي في المرحلة المقبلة لمواكبة التطورات اللبنانية وللوصول الى حل حقيقي للازمات في لبنان.