لم تفضِ الجلسة النيابية الثالثة إلى إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهوريّة، فبدأت أوساط سياسيّة تتحدّث عن الدخول في الفراغ حتميّاً، قبل ايام من نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. ومن المتوقّع أنّ يُبادر برّي إلى الدعوات المكثّفة لجلسات الإنتخاب، لكنّها لن تُشكّل خرقاً في هذا الإستحقاق، نتيجة عدم التوافق على أحد المرشّحين، إضافة إلى ذلك، هناك رغبة لدى أكثريّة النواب بإبرام تسويّة سياسيّة شاملة، يُنتخب على أساسها الرئيس الجديد.
ويعتبر مراقبون أنّ المعضلة الأولى تتمثّل في قلّة الأسماء المطروحة، وخصوصاً من ناحيّة “فريق الثامن من آذار” الذي لم يُبادر حتّى الساعة إلى إعلان ترشّيح أيّ شخصيّة، ويقوم نوابه بالتصويت بورقة بيضاء، او يعمدون الى تطيير النصاب، بسبب معارضتهم الإقتراع للنائب ميشال معوّض ومرشّحي نواب كتلة “التغيير”. ويقول المراقبون إنّ التسويّة تنطلق من التداول بالأسماء، ومواصفات الشخصيّات وخبرتهم في الحياة السياسيّة، من هنا، فإنّ أهميّة البحث تتخطّى المرشّحين المطروحين خلال جلسات الإنتخاب.
أمّا الحديث عن الحوار، فيُشير مراقبون إلى عدم رغبة أفرقاء من “المعارضة” بالدخول في تسويّة مع “الثنائيّ الشيعيّ” والتيّار الوطنيّ الحرّ” قبل الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسيّة. فـ”القوّات اللبنانيّة” تُحمّل ما آلت إليه الأوضاع في البلاد إلى “حزب الله” وفريق النائب جبران باسيل، وسبق وأنّ تمّ رفض الدعوة للحوار، عندما دعا إليها الرئيس عون. ويُضيف المراقبون أنّ أفرقاء من “المعارضة” يُريدون التحاور في ما بينهم فقط لتوحيد جهودهم حول الإستحقاق الرئاسيّ، فهم يرفضون وصول أيّ مرشّح مدعوم من الضاحيّة الجنوبيّة، وحتّى لو كان وسطيّاً، فمنهم يُولي أهميّة قصوى لملف السيادة، وأيّ شخصيّة يرضى “الحزب” بترشيحها، يعني أنّها لن تضع السلاح غير الشرعيّ على طاولة البحث خلال السنوات الست المقبلة.
ويُتابع المراقبون الى أنّ موقف”حزب الله” أصبح ثابتاً حيال أيّ مرشّح، وأساسه تأمين الشرعيّة لـ”المقاومة”. ويلفتون إلى أنّ “الحزب”سيتشدّد أكثر في هذا المطلب، وخصوصاً بعد إنجاز إتّفاق ترسيم الحدود البحريّة مع العدوّ الإسرائيليّ، والدور الذي لعبه التهديد بالحرب والمسيّرات في إنجاح الملف. ويقول المراقبون إنّ باسيل سيدعم حليفه الشيعيّ في هذا الأمر حتّى النهاية، لعلّ الأخير يقتنع بترشيحه لضرورات أبرزها الإستمرار بتأمين الغطاء المسيحيّ للسلاح بوجه إسرائيل.
ويُضيف المراقبون أنّ البلاد منقسمة بين محورين:”سياديّ” و”ممانع”، والإختلاف بينهما لن ينتهي بطاولة حوار، ولا بالإتّفاق على مرشّحٍ جامعٍ، وهذا ما تبرّهن بعد انتخاب الرئيس عون عام 2016، فالأخير دخل بتباينات عميقة مع “تيّار المستقبل” و”اللقاء الديمقراطيّ” و”الجمهوريّة القويّة”، وهي كتل معارضة لـ”حزب الله” قامت بانتخابه، وقد فشلت التسويّة بينهم لأنّها ارتكزت على الحصص الوزاريّة والإداريّة، وليس على مواصفات الرئيس، بحسب المراقبين.
أمّا عن الجولات التي تقوم بها بعض الكتل، وقد بدأت مع مبادرة نواب “التغيير”، وانتهت مع “الإعتدال الوطنيّ” وترويج “التيّار” لورقته الرئاسيّة، فيرى مراقبون أنّها “حركة بلا بركة”، ما دام كلّ مبادر يهدف إلى التسويق لأفكاره ومواصفات مرشّحه، ويُريد فرض الأسماء والشروط. فمن جهّة “المعارضة”، هناك إنقسام واضح بين من يطمح بإيصال مرشّحٍ “سياديّ” كميشال معوّض، وبين من يتمنّى وصول رئيسٍ إصلاحيٍّ جامعٍ، يقوم بمعالجة الأوضاع الإقتصاديّة، ويترك الملفات السياسيّة الخلافيّة جانباً. كذلك، في فريق الثامن من آذار، هناك إجماع على أهميّة “المقاومة”، لكنّ الإختلاف أوجده باسيل الذي يرغب بخلافة الرئيس عون، فوضع صفة التمثيل المسيحيّ والشعبيّ والنيابيّ على أيّ مرشّح، بحجّة رفضه إسم رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، أو أيّ شخصيّة وسطيّة أخرى.
وتلفت أوساط سياسيّة إلى أنّه لو كان من السهل إنتخاب رئيس الجمهوريّة، لما كانت هناك مساعٍ لتشكيل الحكومة في الأوقات الأخيرة من نهاية ولاية الرئيس عون، على الرغم من العراقيل التي يضعها باسيل أمام ولادتها. فحتّى الآن، هناك رفض بوصول رئيس إلى بعبدا “كيفما كان”، وهناك شروط مسبقة على أيّ مرشّح من كلا فريقيّ الثامن والرابع عشر من آذار.
وتُؤكّد الأوساط أنّ البلاد لا تحتمل الشغور، ويجب الإسراع في الإتّفاق بين أكثريّة الكتل النيابيّة وتأمين نصاب الثلثين، فهناك إنفتاح أقلّه من “اللقاء الديمقراطيّ” و”الإعتدال الوطنيّ” من ناحيّة “المعارضة” لتأمين التوافق مع “الثنائيّ الشيعيّ”. وتُذكّر الأوساط أنّ جنبلاط لطالما دعا إلى التسويّة إنّ من خلال تشكيل الحكومات وإنّ من خلال إنتخابات الرئاسة الأولى، فيما نواب الشمال السنّة وحلفاؤهم، لا يُخفى على أحد أنّ موقفهم أصبح واضحاً من حيث تأمين الإجماع، ورفض التصويت لمرشّح “المعارضة” طالما لا يحظى بتأييدٍ من الفريق المقابل.
وتختم الأوساط قولها إنّ التوافق ليس مستبعداً، وقد حصل في مرّات عديدة سابقة، لكنّها تتخوّف من عمل أمنيٍّ قد يدفع نحو الإسراع في نضوج التسويّة، كما حصل على سبيل المثال قبل إتّفاق الدوحة. في المقابل، تُتابع أنّ كلّ ما يحصل في لبنان على الصعيد السياسيّ هو على أساس “الديمقراطيّة التوافقيّة”، وهو يضرّ بالديمقراطيّة الحقيقيّة، وبالعمل التشريعيّ.