لم يبقَ من عهد الرئيس ميشال عون سوى ايام قليلة. بعض العونيين يقولون أن الوقت يمرّ سريعًا، فيما يرى آخرون ممن ليسوا في صفوف “التيار الوطني الحر” أن هذه الأيام تبدو أطول من أيام الجوع، وهي تمرّ بثقل وكأنها دهر بحاله.
وعلى رغم أن هذه الأيام ستشرف على نهايتها فإن لا شيء واضح في أفق ما بعد تاريخ 31 تشرين الأول، وبالأخصّ في ما يتعلق بحكومة كاملة الأوصاف، فيما لا يزال المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يقوم بمساعي اللحظات الأخيرة، في محاولة قد تكون الأخيرة من قِبَل “حزب الله” قبل الدخول في مرحلة “الفوضى الدستورية”، التي بشرّ النائب جبران باسيل اللبنانيين بها، وكأن ما نزل بهم من مصائب السنوات الست لا تكفيهم.
عن أي فوضى يتحدّث باسيل، الذي زاده بخار الغاز المتصاعد على رأسه “عنطزة” و”تطاووسًا”؟
فإذا كان المقصود بأنه لن يدع حكومة تصريف الأعمال، التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، تتوكل صلاحيات رئيس الجمهورية، من خلال ممارسة ضغطه على “وزرائه”،أو أن الحكومة المستقيلة لا يمكنها أن تدير شؤون البلاد في فترة الفراغ، سواء أكانت قصيرة أو طويلة، فإن لكل قصد جوابًا.
بالنسبة إلى “الوزراء الذين لم يحلبوا معه صافي” في “أيام العز”، وقد “إبتلعهم” الرئيس ميقاتي، فإن في هذا القول ما يدين قائله بعدما إنقلب السحر على الساحر، وبعدما أصبح طابخ السمّ آكله. فـ”الوزراء وبما أنهم كذلك، ، فإنهم بالتأكيد لن ينصاعوا لأوامره، وهم الذين أُهينت كراماتهم في “لقاء اللقلوق الشهير”، حين عاملهم وكأنهم تلامذة أمام أستاذهم، يملي عليهم فروضهم اليومية.
هؤلاء الوزراء، الذين خبروا طوال فترة تعاطيهم اليومي مع الرئيس ميقاتي، حيث كانوا على تماس مباشر معه، في محاولات حثيثة لمعالجة ما يمكن معالجته والتخفيف من حجم الأضرار اللاحقة بالمواطنين قدر المستطاع، لن يخذلوه عندما “تحزّ المحزوزية”، ليس لأن الرجل “إبتلعهم” كما أتهمهم من يعتبر أن جميع الذين لا يكونون معه هم حتمًا ضده، وما أكثرهم هذه الأيام، بل لأنهم يعرفون أن يميزوا بين الصحّ والغلط.
إن لجوء باسيل إلى اللعب، كعادته، على حبال “الميثاقية” لن تنجح هذه المرّة، ليس “لأن ميقاتي بلع الوزراء”، ولكن إقتناعًا منهم بأن ما يقوم به الرجل بصفته رئيس حكومة تصريف أعمال هو الصواب بحدّ ذاته، حتى أن بعض الوزراء يقولون عنه إنه لا يرتاح ولا يترك غيره يرتاح. فالعمل المتواصل بالنسبة إليه أولوية في الظروف العادية فكم بالحري في الظروف الإستثنائية، التي تتطلب جهودًا أكثر من مضاعفة.
أمّا مقولة إن حكومة تصريف الأعمال غير مؤهّلة دستوريًا لتوكل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية فهي مردودة في الشكل وفي الأساس. ويكفي أن نشير إلى نص المادة 62من الدستور، وجاء فيها حرفيًا: “في حال خلو سدة الرئاسة ألي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”.
فهذه المادة واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى أي تفسير أو إجتهاد لأنها تفسّر نفسها بنفسها. وهي لم يميز بين حكومة كاملة المواصفات أو حكومة تصريف الأعمال. فالحكومة حكومة أيًا تكن تسمياتها.
فهذه الحجّة ساقطة أيضًا.
أمّا إذا كان السيد باسيل يخفي “أرانبه السوداء” إلى وقت الحشرة، ومن بين هذه “الأرانب” ما يُخطَّط له في الخفاء عن “فوضى” قد تتجاوز “الفوضى الدستورية” لتعيد اللبنانيين أكثر من ثلاثين سنة إلى الوراء، فإن في ذلك مغامرة في غير مكانها وأوانها.
ما يُحكى في كواليس “العونيين”عمّا يُخطَّط له مخيف، ولا يمكن إلاّ القول “وقى الله لبنانَ شرَّ الفتنن”.