فرضت الحياة في لبنان على الكثيرين البحث عن الليرة على حساب أمور عدّة، ومنها البيئة. فبعدما احترف كثيرون في السنتين الفائتتين سرقة قطع السيارات لبيعها في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة، لم تتوقف الأمور عند هذا الحدّ بل بتنا في زمن أجبر الكثيرين على الاستغناء عن أهمّ القطع الميكانيكية في السيارة بهدف بيعها والإستفادة من سعرها المرتفع، ومنها “الكاتالايزر” أي “ديبو البيئة”.
في الوقت الذي يدعي فيه الكثير من الأشخاص إنهم واعون بيئياً، يبدو أنه على أرض الواقع القليل منهم يعلم أن المحولات الحفازة أو ما يعرف بالـ”كاتالايزر” في السيارة مهمة جداً لتقليل الانبعاثات الضارة والمحافظة على البيئة. والكاتالايزر أصبح موجوداً على كل السيارات الحديثة، بحيث أجبرت كل الدول شركات السيارات بتزويد سياراتها بهذه القطعة المهمة حفاظاً على البيئة.بيع “الكاتالايزر”.. تجارة شائعة
“دور “الكاتالايزر” بالغ الأهمية”، يشرح أحد المهندسين الميكانيكيين، مشيراً إلى أنه عبارة عن علبة معدنية على شكل أسطوانة متصلة بأنبوب العادم، تعمل على معالجة مجموعات الغازات الضارة التي تصدر عن عمل المحرك.وأشار في حديث لـ”لبنان 24″ إلى أن “الكاتالايزر يتألّف من خلايا سيراميكية تشبه خلايا النحل، مطليّة بطبقة رقيقة من معدن محفز غالباً ما يكون من البلاتين أو الروديوم أو البالاديوم، تعمل على تحويل الهيدروكربونات السامة وأول أكسيد الكربون شديد السمّ وأكسيد النيتروز وأكسيد الرصاص من البنزين السيء وبخار زيوت المحركات، إلى غازات أقل ضرراً مثل ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين والبخار والماء”.
وأوضح أن “إزالة الكاتالايزرمن السيارة قد تؤثر بشكل دراماتيكي على البيئة بسبب الإنبعاثات التي ستخرج مباشرة من المحرك إلى عادم السيارة وصولاً إلى البيئة الخارجية. وهنا لا بد من الإشارة أن إلى إزالة الكاتالايزر لا تؤثر فقط على البيئة، بل أيضاً وبشكل كبير على السيارة من نواحٍ عدّة، من بينها ضعف القوة والدفع وسلاسة عمل المحرك وزيادة إستهلاك الوقود”.ولفت إلى أن ” الكاتالايزر باهظ الثمن لأنه يحتوي على معادن ثمينة مثل البلاتين والبلاديوم والروديوم كما ذكرنا آنفاً، لذلك، وبسبب الوضع الإقتصادي وغياب المعاينة الميكانيكية والقوانين الرادعة، يعمد كثيرون إلى بيعه وترك السيارة تعمل من دونه على الرغم من سيئات هذا التصرف”.
وأكّد المهندس الميكانيكي أنه “بالفعل، يشجّع العديد من الأشخاص وحتى الشركات عبر الإعلانات التي بتنا نراها بكثرة، على إزالة الكاتالايزر وبيعه مقابل الفريش دولار”، موضحاً أن هؤلاء يدفعون مبالغ كبيرة مقابل الكاتالايزر تبدأ بـ250 دولار وتصل إلى 1000 دولار، وذلك بحسب نوع السيارة وحجم الكاتالايزر وعدده”، كاشفاً أنه في حال عُرضت سيارة خالية من “الكاتالايزر” للبيع، فسعرها سيكون أرخص من غيرها.كارثة سرطانية
من جهته، وصف رئيس حزب البيئة العالمي، رئيس خبراء حماية الصحة والبيئة العالمية، المستشار الدولي لشؤون البيئة العالمية والمناخ، مستشار الهيئة العليا للإغاثة في السراي الحكومي الدكتور دوميط كامل هذه الظاهرة بأنها مشروع تجاري كبير جداً.
وأوضح في حديث لـ”لبنان 24″، أن طريقة صناعة “الكاتالايزر” التي تطوّرت كثيراً في القرن الماضي، استطاعت أن تخفف بشكل كبير من التلوث في أوروبا وتقلل الإنبعاثات والتلوث بشكل شبه كامل، ولكن للأسف بات في لبنان متخصصون بانتزاع الفضّة والمعادن الثمينة من هذه القطعة لبيعها بمبالغ طائلة، محذراً من أن مراكز صيانة عدة تقوم بسرقتها بشكل احترافي.ودعا كامل الدولة اللبنانية لبسط سيطرتها على هذا الموضوع، وإجبار السيارات على أن تحتوي على “الكاتالايزر” بهدف حماية البيئة والهواء، لأن السيارات الخالية من هذه القطعة تبعث السموم في الجوّ وخاصة في المدن حيث بات لدينا كتل هوائية مشبّعة بأشدّ أنواع التلوث بالغبار الصادر عن السيارة بسبب الغازات الثقيلة والخطيرة.وأضاف أن الترتيبات التقنية التي تلي إزالة الكاتالايزر من السيارة تؤدي إلى زيادة مصروف البنزين واحتراقه بكميات عالية، الأمر الذي يسبّب بمشاكل كثيرة في الميكانيك الخاص بالسيارة، المحرّك والعيارات.وأكد كامل أن السيارات التي تستخدم زيتاً غير سليم وتعاني من مشاكل في المحرّك قد تحرق الزيت وتصرّفه عبر العادم إلى خارج السيارة، وبالتالي يؤدي عدم وجود الكاتالايزر في هذه الحالة الى انبعاث دخان أبيض مشبّع جداً بالمواد الخطيرة المسرطنة مثل الديوكسين.وبالمقابل، شدد على أن ما يحصل اليوم هو أن رئة المواطن تقوم بعمل الكاتالايزر، الذي من واجبه أن يمتصّ التلوث والسموم، إلا أنه على أرض الواقع، أدّت ظاهرة بيع هذه القطعة إلى إجهاد رئتي الناس.وناشد كامل القوى الأمنية تحرير محاضر ضبط بكل السيارات التي ينبعث منها دخان، كونها كارثة سرطانية لجسم الإنسان ناتجة عن إهمال وجشع على حساب البيئة والصحة.