كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”: ربما لأن الشغور أضحى متوقعاً ومحسوباً ووضعاً عادياً يسهل التعوّد عليه، وتالياً الاستغناء عن وجود رئيس الجمهورية وقتاً يقصر أو يطول، يتقدّم عليه الاهتمام بالمرجعية التي ستحل في صلاحياته لإدارة المرحلة المقبلة. ما حدث في مجلس النواب البارحة، في رابعة جلسات الانتخاب، دليل إضافي على أن ترتيب الأولويات بات معكوساً. من ذلك الفارق الجوهري في مقاربة هذين الحدثين: الشغور واقع بدءاً من منتصف ليل الاثنين المقبل، إلا أن تأليف حكومة جديدة لا يزال محتملاً أكثر مما هو مستبعد لأسباب شتى:أولها، الضغوط التي يمارسها سفراء دول كبرى على الأفرقاء المعنيين بتأليف الحكومة بغية تجاوز الشروط المتبادلة والتوصل إلى حد أدنى من التفاهم، يتيح صدور مراسيم الحكومة الجديدة قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون.لأسابيع خلت سمع مسؤولون لبنانيون من السفراء هؤلاء، واحداً تلو آخر، حضّاً متواصلاً على استعجال تأليف حكومة جديدة انطلاقاً من يقينهم بأن انتخاب الرئيس مؤجل إلى أمد غير معروف. بعض المهم الذي أدلى به السفراء ضرورة انبثاق شرعية دستورية موقتة وانتقالية من خلال حكومة جديدة يسهل مخاطبة الدول إياها والتعامل معها، والتعويل على مرجعيتها في الوقت الحاضر. عزا أحدهم أمام مسؤول رسمي كبير الحاجة إلى الحكومة هذه، ليس إلى ملئها صلاحيات رئيس الجمهورية فحسب، بل للحؤول دون أي فوضى محتملة يكثر الحديث عليها في ظل الانقسام الحالي من حول الحكومة المستقيلة.
ثانيها، المهمة المحددة المنوطة بالحكومة الجديدة – غير المدعوة إلى إنجاز الإصلاحات البنيوية التي تعذرت عليها في الأشهر المنصرمة – هي الاكتفاء بإدارة مرحلة الشغور بأقل أضرار ممكنة وبأفضل فسحة من الاستقرار الأمني. بيد أن شرط الإدارة هذه يكمن في تمكينها من الاجتماع دونما تحميلها ما لا يسعها حمل وزره.بالتأكيد يفضّل ميقاتي توفير العناء على نفسه بالإبقاء على حكومته المستقيلة كي تستمر في مرحلة الشغور بصلاحيات رئيس الجمهورية كاملة، بيد أن وطأة الضغوط الخارجية بمَن فيها أصدقاؤه الفرنسيون كما حزب الله تحمله على التروي.مع أنه في الأيام الأخيرة من الولاية، يتصرّف باسيل كأنه في أولها. تمكّن من فرض خيارات صعبة على ميقاتي بأن ربط تأليف الحكومة الجديدة بحصوله على الحصة التي يتطلبها فيها بغية تأكيده أنه الشريك غير الدستوري في تأليفها. لا يُفسَّر تصرّفه في الأسبوع الأخير في الولاية قبل عودة الرئيس إلى الرابية، سوى أنه هو المفاوض المقبل.كلاهما، ميقاتي وباسيل، سيمثّلان في الواقع قابيْ قوس الصدام في مرحلة الشغور.