على مدى ساعتين من الوقت إختصر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في الحديث – الجردة، الذي خصّ به الزميلة ندى اندراوس عزيز، مسيرة عهده.
التركيز كان في مجمل الحديث، الذي أتت أسئلته حرفية ومهنية وجريئة، على أن الآخرين، كل الآخرين، حتى حليفه “حزب الله”، هم الفاسدون. أمّا غير الفاسد الوحيد فهو تياره السياسي ورئيسه النائب جبران باسيل.
أسئلة كثيرة تناولت كل المواضيع الوطنية والسياسية والأقتصادية والقضائية والإجتماعية. الذين إستمعوا إلى هذه الأسئلة ظنوا أنهم سيحصلون على أجوبة شافية، قد تروي غليلهم، خصوصًا أن المجيب هو رئيس حكم البلاد على مدى ست سنوات، من دون زيادة أو نقصان. لكنهم لم يسمعوا تلك الأجوبة، التي زادتهم يأسًا وقرفًا، بعدما ردد أكثر من مرّة أنه بوجود هذه المنظومة الفاسدة لا خلاص للبنان واللبنانيين.
ما كان ينتظره اللبنانيون، وما كانوا يتوقعونه، لم يكن على مستوى الآمال، تمامًا كما كانت حال سنوات عهده الطويل، الذي قيل عنه إنه الأسوأ من بين العهود الأكثر سوءًا.
فلم يكن الحديث الرئاسي بالصراحة الكافية، التي كانت تتوقعه المحاورة. نظراتها المتنقلة في تقاسيم وجه الرئيس عون خانتها. فلم تستطع، كما المواطنون، أن تخفي بتعابيرها الصادقة، بعضًا من خيبة أمل. كنا نعوّل على هذا الحديث الكثير لتغيير ما علق في ذاكرتنا الطرية من إشارات ومن قناعات بأن الرجل قد ظُلم، وقد حُمّل ما لا طاقة له على تحمّلها، خصوصًا إذا سلمّنا جدلًا أن ما وصلنا إليه من إهتراء هو نتيجة تراكم الأخطاء على مدى السنوات، التي سبقت العهد الحالي.
ما سمعناه، ومعنا معظم اللبنانيين لم يبدّد هذه الغيمة، ولم تبعد عنا الشكوك، بل بالعكس.
ما سمعناه زاد اللبنانيين قناعة بأن “العهد العوني” كان أسوأ العهود قاطبة. وهذا ليس تحاملًا ولا تجنيًا، بل هو نتيجة واقع معيوش. عاشه اللبنانيون، جميع اللبنانيين بأنفسهم، ولم يخبرهم به أحد. هم الذين أذّلوا أمام المستشفيات والصيدليات والأفران ومحطات الوقود.
هم الذين يعيشون من دون مياه أو كهرباء.
هم الذين تدنى مستوى معيشتهم، بعدما سُرقت أموالهم، وهي “تحويشة” العمر، وبعدما تدهورت القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، وبعدما لامس سعر صرف الدولار حدود الأربعين ألف ليرة لبنانية.
في عهد الرئيس ميشال عون جاع الشعب.
في عهد الرئيس ميشال عون هاجر عشرات الآف من اللبنانيين من مختلف الطوائف والمناطق.
في عهد ميشال عون إفتقر الشعب. في هذا العهد كفر الناس. وفيه أصبح المستقبل أكثر سوادًا.
الجميع في نظر فخامة الرئيس، أو بتعبير آخر “كلن يعني كلن” فاسدون، بإستثناء “التيار الوطني الحر” ورئيسه.
وينتهي الحديث، ومعه تجرّ الساعات المتبقية جرًّا. من دون أن يعني ذلك أن الستارة قد أُسدلت، بل ما ينتظره اللبنانيون من “رئيس الرابية” سيعيد إليهم مشهدية “جنرال الرابية”.وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رد على حديث عون قائلاً: “اشاطر فخامته القول إن الدستور هو الحكَم والفصل في كل القضايا.أما بشأن ما تحدث عنه فخامته من مسائل خاصة ووقائع مجتزأة ومحرّفة او غير صحيحة، …فاكتفي بالقول بأسف :احيانا تخون كبارنا الذاكرة فتختلط الوقائع بالتمنيات والحقائق بالاوهام !”.