الكوليرا يتفشى بسرعة.. هل من داع للهلع؟

28 أكتوبر 2022
الكوليرا يتفشى بسرعة.. هل من داع للهلع؟


لم تُسجّل أي إصابة “كوليرا” داخل المدارس. الأعداد المحدودة في عكار التي تبلّغت بها وزارة التربية كانت خارج حرم المدرسة، كما تقول لـ”الأخبار” مديرة الإرشاد والتوجيه بالتكليف هيلدا خوري. لكن أن يكون الوضع تحت السيطرة حتى اللحظة لا يعني، بحسب الاختصاصي في الأمراض الجرثومية النائب عبد الرحمن البزري، أن “الملف ليس حساساً، ولا سيّما في المدارس الرسمية، غير المجهّزة بما يكفي لمواجهة الوباء، ما يستدعي استنفار وزارة التربية لفحص المياه المستخدمة، وتقديم الكلور اللّازم لتعقيمها”. وبما أن التلميذ يمضي ساعات طويلة في المدرسة، فإن الإدارات مطالبة، وفق البزري، بإعطاء توجيهات للأهل، للانتباه إلى نوعية الأكل المرسل مع الأطفال ونظافته، وعدم الإكثار من العصائر، مع أهمية عدم استقبال أي طفل يعاني من عوارض الإسهال، وفي حال جرى التأكد من وجود إصابة، يجب فوراً تبليغ وزارة التربية ودائرة الترصد الوبائي التي ستتابع الملف ضمن “خلية أزمة” يفترض أنها شُكلت في السراي الحكومي لمواكبة الحالات.

لا يشبه تعاطي المدارس مع “الكوليرا” تعاطيها مع “كورونا” الذي كان وباء جديداً ومباغتاً وولّد ذعراً في صفوف التلامذة وأهاليهم. المرضان مختلفان، يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، وإن كانت الإجراءات الوقائية مشابهة، أي أن عاملات وعمال النظافة معتادون عليها. المدارس الخاصة مطالبة، بحسب نصر، بتطبيق تعميم وزير التربية واتخاذ تدابير متشدّدة لجهة تأمين النظافة وتعقيم المياه والمراحيض، مشيراً إلى أنّ اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة سيعقد، الأربعاء المقبل، اجتماعاً لمناقشة التدابير المرتبطة بموضوع الكوليرا، فيما جرى التداول، على صعيد الأمانة العامة، في سبل المواجهة، مع مراعاة عدم إشاعة الخوف في صفوف الطلاب وأهاليهم.
أما في المدارس الرسمية، فحالها من حال بيوت الناس، لا كهرباء ولا ماء، وتكاليف موادّ التعقيم من الكلور وأخواته “مدولرة” بالكامل، بالتالي لن تحتمل الموازنات التشغيلية طويلاً بنوداً إضافية ترهقها. مواجهة الوباء في المدارس بدأت بأسلحة متبقية من أيام الكورونا من صابون ومعقّمات. الوزارة غائبة عن الدعم المادي والعيني، وحاضرة في الدعم الفني للمرشدين الصحيين عبر منشورات ودورات تأهيلية لتعريفهم بالخطر الجديد، وتساعدها البلديات المهتمة في المهمة نفسها، والنتيجة منشورات كوليرا فوق منشورات كورونا، ولا من يقرأ ولا من يحزنون.
حتى الساعة، لم تُقدّم أي مساعدات عينية أو مادية للمدارس الرسمية لمواجهة تداعيات وباء الكوليرا، فقط “دورات على مدّ عينك والنظر، لا تسمن ولا تغني من جوع” بحسب مدير مدرسة رسمية، وتواصل خجول من “اليونيسف” بدأ أول من أمس، وأتى على شكل “استبيان عن المرافق الصحية في المدرسة”. بحسب المختصين، الصفوف ليست مكاناً لنشر العدوى إن لم يحصل تبادل لعبوات مياه الشرب والأطعمة بين التلامذة، أما التهديد فيكمن في الحمامات المشتركة، والمياه الملوّثة. 
وفي هذا الاطار، تعيش المدارس الرسمية في طرابلس هاجساً كبيراً تحت وطأة الخوف من ظهور مرض الكوليرا وتفشّيه فيها، ولا سيّما أنها تشكو من انقطاع المياه عنها منذ فترة طويلة.
شكاوى مديري المدارس والثانويات الرسمية في طرابلس تصل إلى حدّ تحذير أحدهم من “مخاطر المرحلة المقبلة التي لسنا على جهوزية كافية، ولو بالحدّ الأدنى، لمواجهتها”، متخوّفاً من أنّ “ظهور أيّ إصابة بمرض الكوليرا في أيّ مدرسة يعني أنّ المدرسة كلّها سوف تكون في دائرة الخطر”.
وينبّه مدير آخر إلى “أنّنا مقبلون على كارثة حقيقية في القطاع التربوي الرسمي، إذا دخلت الكوليرا إلى إحدى المدارس، في ظلّ عدم وجود تحضيرات وإجراءات بسيطة لمواجهتها، لأنّ ذلك يعني أنّ العام الدراسي سيصبح في خطر، وسيفرض على وزارة التربية إيقافه فترة زمنية ليس معروفاً مدّتها، في ظل عجز وزارتي التربيّة والصحّة عن القيام بما يفترض بهما عمله، سواء بسبب ضعف الإمكانات، أو الفشل في التعامل مع الأزمة”.
هذا في موضوع المدارس، أما في موضوع الخضار والفاكهة، فقد تراجعت نسبة المبيع بشكل كبير، يقول أبو علي خلف، صاحب محالّ خلف لبيع الخضر في بيروت، إن بيع الخضر الورقية كالبقدونس والكزبرة والخس والنعنع… تراجع بنسبة كبيرة منذ أسبوع «لأن الناس خايفة وتأخذ الاحتياطات». ويحذّر من الأسوأ «لأن الخضر ستأتي بعد نحو 10 أيام من مناطق عكار التي تغطي 70% من حاجة السوق، وبعض عيّنات المياه كما كشفت وزارة الصحة كانت ملوّثة بالكوليرا، ما يعني أنّ هناك مخاوف حقيقية منها». ويحمّل خلف المسؤولين في الدولة المأساة التي يتعرض لها المزارعون وأصحاب محالّ بيع الخضر. «اليوم، أغلب الخضر في السوق قادمة من البقاع وجبيل وعكار، وأغلبها تسقى بمياه ملوّثة وهذا ليس جديداً، وبدل معالجة جذر المشكلة يحذّرون الناس من الخضر».
يذكّر رئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، سامي علوية، بأنه بدأ بتوجيه كتب سنوية إلى الوزارات والإدارات المعنية لمنع ريّ المزروعات من نهر الليطاني، وأنه كان يصدر قراراً بمنع ريّ هذه المزروعات من النهر «وكانت الدولة تؤازرنا بإتلاف بعض المزروعات، لكن للأسف هذا القرار لم يطبق كما يجب لعدم قدرة القوى الأمنية ولاتساع رقعة الأراضي الزراعية، وسطوة المزارعين».
وفي الشمال، حيث تكبر المخاوف، يؤكد المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الشمالي، خالد عبيد، أن أغلب المزارعين يروون أرضهم من آبار خاصة وعيون طبيعية، «لكن في بعض الأماكن يصبّ الصرف الصحي في نهر أو وادٍ أو جوَرٍ صحية، تطوف وتذهب إلى الأراضي وتلوّثها». ويلفت إلى أن سدّ المنية الذي يروي منه المزارعون «ملوّث، وهذا ليس جديداً كون الأقنية المكشوفة معرضة للتلوّث». إلى هذا السدّ، كشفت وزارة الصحة عن تلوّث بعض العيون المخصصة للشرب بالكوليرا.