تفاؤل كبير يشعر به اللبنانيون وسببه واضح وضوح الشمس… إنتهاء ولاية العهد الجهنمي ورحيله. 6 سنوات من الأزمات عاش فيها لبنان بسبب رئيس الجمهورية ميشال عون وأخرى لم يستطع إنقاذنا منها، لذا، الكل يترقب رحيله بفارغ الصبر على أمل أن يتغير حال لبنان ولو بنسبة ضئيلة في المدى القريب. ولكن هل ظن اللبنانيين في محله؟ وهل سيزدهر لبنان فعلاً بعد رحيل هذا العهد؟
الأكاديمي والباحث في السياسة والاقتصاد نبيل سرور استبعد في حديث لـ”لبنان الكبير”، أن “تكون مرحلة ما بعد الجنرال عون مرحلة تغييرات جذرية سياسية واقتصادية في لبنان، حيث الخلل بنيوي أصاب معظم القطاعات وطبيعة النظام السياسي. وبالتالي إذا لم تكن هناك نية حقيقية لدى اللبنانيين في سبيل إيجاد حلول للمشكلات التي اعترضت واقعهم السياسي والاقتصادي طوال هذه السنوات منذ إنشاء الكيان اللبناني والاستقلال، فمن المستبعد أن يكون هناك أي إصلاح داخلي خصوصاً أنّ عهد الرئيس ميشال عون شهد مناكفات سياسية وعقبات داخلية جعلت من عهده يواجه مشكلات كثيرة على مستوى الرأي السياسي لأنصار التيار الوطني الحر وفرض توجهاتهم السياسية ورؤيتهم على مستوى الوطن”.
وقال سرور: “لقد واجه عهد ميشال عون عقبات كبيرة من خصومه كانت حقيقية في وجه حضور تياره السياسي. من هنا كان يتردد على ألسنة أنصار التيار وعلى رأسهم صهره جبران باسيل كلمة (ما خلونا) ما يعني أنّهم لم يستطيعوا تقديم رؤيتهم وخططهم التي أرادوا تأكيدها من خلال عهد ميشال عون. تدهورت الأوضاع السياسية بصورة كبيرة من خلال إنتقاضة 17 تشرين وما حصل فيها حين طالب الكثيرون بالاستقرار الاقتصادي وتغيير النظام السياسي وهاجموا الطبقة السياسية. وأيضاً لا ننسى انفجار مرفأ بيروت في ٤ آب وما لذلك من تبعات وآثار اقتصادية وسياسية بحيث كان هذا الانفجار بمثابة زلزال ضرب العاصمة بيروت ودورها السياسي والاقتصادي كعاصمة رائدة”.
وأشار الى أنّ “السنوات الأخيرة من عهد عون شهدت إنهيار الواقع الاقتصادي اللبناني وما تبع ذلك من إنهيار القطاع المصرفي الذي يعتبر عمود الاقتصاد اللبناني، إلى جانب تبخر حقوق المودعين لدى المصارف اللبنانية، وهذه كانت من المحطات القاسية والسود في هذا العهد. كما شهدنا تدهور سعر صرف العملة اللبنانية ما خلق هزات في السوق النقدية وفي أسعار السلع والبضائع والتضخم الكبير الذي أصاب الواقع الاقتصادي اللبناني، وخضوع التسعير لمزاجية التجار وجشعهم وغياب الرقابة الفاعلة في هذا المجال”.
أضاف سرور: “ما استتبع في عهد ميشال عون، إنهيار الادارة العامة اللبنانية في الكثير من الوزارات والمؤسسات العامة نتيجة تدني الوضع المعيشي وتدني رواتب الموظفين التي تآكلت بصورة كبيرة. وتراجعت واردات الدولة بما يزيد عن 60% وكان هناك غياب للموازنة إلى جانب الخسائر الكبيرة. لذلك شهدنا في هذا العهد مشكلات بنيوية ومعيشية”.
ولفت الى أن “العهد تضرر كثيراً نتيجة هذه المشكلات والاهتزازات التي أصابت الواقع اللبناني. وبعد إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون، يأمل البعض الانتقال إلى مرحلة جديدة وأن يكون هناك واقع جديد، لكن أعتقد أنّ هذا التفاؤل محكوم بعدّة عوامل داخلية، لا بد من إجتيازها في سبيل الوصول إلى الحلول، على الرغم من أنّ لبنان أصبح بلداً نفطياً وكان هناك في الأيام القليلة الماضية تفاهم غير مباشر وترسيم للحدود مع العدو الاسرائيلي”.
ورأى سرور “أننا نقف اليوم بعد رحيل عون أمام المعطيات التالية: أولاً الفراغ الرئاسي وعدم تشكيل حكومة جديدة أو بقاؤها ناقصة الصلاحيات وفي تصريف الأعمال، وهذا ما يترك البلد في حالة فراغ كبير سينعكس حتماً على أداء الادارات والمؤسسات بطبيعتها السياسية والاقتصادية. واقع ادارات الدولة هو واقع صعب وهناك شبه إنهيار على كل المستويات في ادارات الدولة ومؤسساتها العامة، فكيف سيُعالج هذا الأمر في ظل الفراغ؟”.
وأوضح أن “الواقع اللبناني الداخلي لا يزال واقعاً متشرذماً وفيه الكثير من الثغرات وهناك تعقيدات داخلية طائفية وسياسية تعوق النهوض بالبلد من أزماته التي يتخبط بها. يضاف إلى ذلك التحديات الخارجية المتمثلة في التهديدات الاسرائيلية والضغوط الدولية على لبنان والتهديدات الارهابية من الخلايا الارهابية الموجودة، وأيضاً الولاءات اللبنانية التي تصب نحو الخارج من دون أن يكون هناك ولاء وطني داخلي وحقيقي”.
في الخلاصة، بحسب سرور “التطورات السياسية والاقتصادية بعد مرحلة الرئيس ميشال عون تتطلب قراءة دقيقة للأحداث. هناك شلل إداري وعقم سياسي، كما أنّ هناك قوى سياسية غير متجانسة وغير متفقة على أولويات لبنان وأساسيات ميثاقية مختلفة ورؤى متناقضة في ما بينها. كما أن المؤسسات العسكرية في واقع غير جيد وتبقى مؤسسة الجيش هي الضامنة للأمن والسلم الأهلي في ظل تصدع الكثير من الأجهزة الأمنية الأخرى التي يسعى قادتها الى إبقائها تعمل بصورة جيدة. بإعتقادي نهضة لبنان تكون بعقدٍ جديد بين اللبنانيين ينظم العلاقة ويؤسس لنظام سياسي جديد ويحدد خيارات لبنان السياسية والاقتصادية”، مشدداً على أن “الحل بتلاقي اللبنانيين في ما بينهم وتوحيد الرؤى وإحياء التفاعل والقواسم المشتركة والمصارحة على المسلمات الأساسية وحل العقد البنيوية القائمة في بنية النظام اللبناني وبلورة عقد اجتماعي بين اللبنانيين على أساس وطني متين لاطائفي يغيّر الواقع الصعب. بغير ذلك، أعتقد أنّ لا خلاص وسيبقى اللبنانيون يدفعون ثمن تمسكهم وخلافاتهم في كل المراحل وسيظل الواقع اللبناني محكوماً بعقدة هذه الاختلافات وبعقدة التاريخ والجغرافيا التي كانت نقمة على لبنان بدلاً من أن تكون نعمة له”.