خلال الساعات المقبلة، تبدأ البلادُ مرحلةً جديدة مع الشغور الرئاسي الذي بدأت مرحلته الأولى، اليوم الأحد، بخروجِ رئيس الجمهورية ميشال عون من قصر بعبدا وسط عدم انتخابِ رئيسٍ جديد للبلاد.
حقاً، من يُراقب وقائع “مغادرة القصر” بعد عهدٍ رئاسي دام لـ6 سنوات، سيرى عبرة كبيرة جداً على الصعيدين السياسي والشعبي، لكنّ الأنظار تتجهُ إلى الآتي من أيام التي لا يمكن استشراف ما ستحملهُ من مُفاجآت.
من راقب حجمَ التجييش الذي لجأ إليه “التيار الوطني الحر” لمواكبة يوم خروج عون من القصر، إنّما سيُلاحظ أموراً كثيرة طرحت نفسها مجدداً وقد يجري فرضها لاحقاً في سياق الاستحقاق الرئاسي الذي سينتقل إلى مرحلة جديدة بعد 31 تشرين الأول الجاري الذي يعتبر يوم ختام عهد عون.
في الشكل، فقد بدا واضحاً وجود الإصرار على إعادة “نبض الشارع العوني” عند أي استحقاق تثبيتاً لـ”شرعية الوجود” وتأكيداً على أنّ “الوطني الحر” لم يجرِ اغتياله سياسياً بعكس كل المحاولات. أمّا الرسالة الأقوى فأساسها أنّ عون غادر مُكرّماً وقوياً بشعبه الذي دعمه ووقف إلى جانبِه قبل معركة الرئاسة عام 2016 وبعدها. حتماً، عند هذه النقطة، شاء “الوطني الحر” أن يُثبت أنّ أيّ رئيس للجمهورية لا يُمكن أن يكون مُجرّداً من قاعدة شعبية تقف وراءه وتواكبه متى احتاجَ ذلك، وبالتالي، فإنّ أي رئيسٍ يجب أن يدخل بعبدا عليه أن يحظى بهذه المشهديّة الشعبية، على حدّ وجهة نظرِ “التيار”. وإضافة إلى ذلك، فإنّ المشهد الآخر الذي سيكون جلياً، يرتبطُ بوجودِ النواب الذين سيواكبون عون، اليوم، وذلك لتوجيه إشارةٍ أساسية عنوانها الحيثية النيابية التي يجب أن تُرافق أيّ رئيسٍ مُقبل في كل الاستحقاقات والأحوال… ولكن، ماذا بعد؟ أيّ موقعٍ سيتخذه عون بعد 31 تشرين الأول؟
في سلسلة تصريحاته الأخيرة خلال الأيام القليلة الماضية، أشارَ عون إلى أنه سيكونُ في موقع “المعارضة” وسيُشكل مقاومة فعلية بعد العهد. هنا، فإنّ الكلام قد يفسره البعض بـ”ردّ الاعتبار” والوقف سداً منيعاً في وجه الأطراف التي يعتبرها عون قد سعت لعرقلة عهده وأفشالِه.
من وجهة نظرٍ سياسية، قد يختارُ عون وتياره السياسي منحى المعارضة الشرسة في أغلب الحالات، إذ أن الصراع مع الآخرين يعتبر مفتوحاً بعد سنواتٍ من الهجوم السياسي والإعلاميّ والاقتصادي. ومن بابِ “الكيدية السياسية”، قد يتخذ عون موقعاً جديداً له لمقاربة ملفاتٍ قد تطال الأفرقاء الآخرين، إذ لن يُسلّم معهم في أيّ أمر مهما كان، في حين أنه قد ينأى بنفسه مجدداً عن أي تحالفاتٍ مع “الخصوم” انطلاقاً من قاعدة “ردّ الصاع صاعين”.
قد يكونُ عون اليوم أكثر ميلاً لتثبيت شخصية “الجنرال” الحازمة في مواقفها، وما يبدو أكثر هو أن هناك تمسكاً بخيار الشارع من ناحية اعتماده كعنصر ضغط، وما يمكن استشرافه من مشهدية اليوم التي شهدها قصر بعبدا هو أنّ المعارضة التي سيخوضها عون ستكون مرتبطة بتحركات شعبيّة في بعض الأحيان. وإزاء هذا الأمر، فإن ما يمكن قوله هو أن “التيار الوطني الحر” سيتخذُ منحى آخر من الضغط السياسي سيُترجم حيناً بمواقف مناوئة للآخرين داخل المؤسسات الدستورية، وحيناً آخرَ بتحركات شعبية ضاغطة تجاه أي مؤسسة أو جهة يُنظر إليها على أنها “دارٌ للفساد”. إلا أن المخاوف هنا تكمن في تحول ذاك الخيار إلى صدامٍ ومواجهة مع أطرافٍ أخرى، وبالتالي تشكل فتنة قد تتطور إلى تصادم مع المؤسسات العسكرية.
اليوم، يعي خصوم عون تماماً أنّ الردّ سيكونُ نارياً من قبل فريق الأخير، فالتحرر من قيود الرئاسة أصبح قائماً وتحقق بقوّة، في حين أن “فتح الملفات” بات أكثر سهولة. ولهذا، فإنّ نمط المعارضة الذي سيطغى على المشهد لن يكونَ كما قبل العام 2016، إذ أن “الثأر” كبير، وما حصل خلال سنوات العهد كفيلة جداً لجعلِ “الانتقام السياسي” وارداً على أكثر من جبهة.
في الخلاصة، ما يمكن انتظاره في المرحلة المقبلة قد يرتبطُ بالمزيد من المُناكفات فضلاً عن العراقيل التي قد يطرحها عون وفريقه، بينما ستكون المواقف أكثر حدّة عن السابق. وإلى حينِ بداية عهدٍ رئاسي جديد، سيعمل عون هذه المرّة على وتر التمرّد على الجميع، ليسَ لفرض عهد جديد ينتمي إليه، بل لإثبات أن قدرة “الوطني الحر” على التأثير كبيرة ولم يجرِ تحجيمها خلال الفترة السابقة وسط كل المحاولات والانتكاسات التي حصلت.. وإن غداً لناظره لقريب.