أما وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري، سيدعو خلال اليومين المقبلين مجلس النواب للاجتماع لمناقشة رسالة رئيس الجمهوريّة ميشال عون وفقاً للأصول، فإن المناقشة وفق المعنيين لن تغير في الواقع شيئاً، ولن تصدر عن الجلسة أية قرارات خارجة عن المألوف.علما ان الرئيس نجيب ميقاتي لن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء إلا في حال الضرورة القصوى وسوف يسعى لتسيير الأوضاع بطريقة صحيحة حتى الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بأسرع وقت ممكن.
يقول الخبير الدستوري والقانوني عادل يمين لـ”لبنان24″ ان توقيع رئيس الجمهورية مرسوم قبول استقالة الحكومة هو تأكيد للمؤكد واعلان عن حالة تحققت في 22 ايار 2022 مع بدء ولاية مجلس النواب حين اعتبرت الحكومة مستقيلة عملاً بأحكام المادة 69 من الدستور، ولكن هذا التدبير قطع الطريق على أي تذرع بأن الحكومة لا تزال عاملة طالما لم يصدر مرسوم بتأليفها.
اما رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب فهي لتضعه في مآل الاوضاع ووضع الحكومة وفي تعذر التاليف لغاية الآن، فيتوجب على البرلمان، بحسب يمين، الانعقاد فوراً لاتخاد موقف من هذه الرسالة، علماً أنه بطبيعة الحال لا يقيد رئيس الجمهورية البرلمان بأي إجراء. ولكن الخيارات تبقى مفتوحة أمام البرلمان وإن لم يكن الدستور نص على ذلك صراحة، إنما بالتحليل الدستوري يستطيع البرلمان أن يرفع توصية الى رئيس الجمهورية يطلب منه سحب التكليف والدعوة إلى استشارات نيابية في الساعات المقبلة تؤدي إلى تبديل التكليف وحصول تأليف لحكومة جديدة وقد يصدر المجلس النيابي عريضة أو توصية للحكومة المستقيلة يدعوها إلى الامتناع عن القيام بأي إجراء بالوكالة عن رئيس الجمهورية.
في المقابل، رأى الخبير الدستوري محمد زكور في حديث مع “لبنان24” أن البلاد تحكم أولاً من أحكام الدستور وثانياً بناء على العرف والفقه الدستوري، وبالتالي فإن خطوة الرئيس عون التي تهدف إلى التصعيد وإلى سياسة سوف ينتهجها بعد وصوله إلى الرابية ومغادرته قصر بعبدا، يمكن وضعها في خانة الخطوة الغير دستورية. فلا شيء في الدستور يمكن أن يسمح بالفراغ الرئاسي.
إن أحد اهم المبادىء التي تحكم الدستور ، بحسب زكور، تتصل بمبدأ عدم جواز السماح بالشغور ونظرية الفراغ. فالمبدأ العام الاول هو أن الحياة الدستورية والسياسية لا تقبل الفراغ، وثانيا وجوب استمرارية المرافق العامة. فالدستور نص على أنه عند خلو سدة الرئاسة تناط الصلاحيات بمجلس الوزراء، واشار إلى أنه عند بدء ولاية مجلس نواب تعتبر الحكومة بمثابة المستقيلة. وبالتالي هناك حكومة بمثابة المستقيلة وحكومة يجب ان تستلم تصريف الأعمال بالحد الأدنى الضيق لتصريف الاعمال عند الشغور الرئاسي.
ان تفسير خطوة الرئيس عون بأنها تقطع الطريق على الحكومة القيام بأي عمل تبعا لتوقيعه مرسوم قبول الاستقالة، فهو كما يقول زكور، منطق غير سليم وغير دستوري لأنه لا بد من تسيير عمل المؤسسات وبالتالي تستطيع الحكومة أن تمارس أعمالها بالمدى الضيق لتصريف الأعمال، أي دون ان تضع أي التزامات لا ضرورة لها أو التزامات مادية لا يبررها سير المرافق العامة.
اما على خط الكتاب الذي وجهه الرئيس ميقاتي إلى رئيس مجلس النواب فيقول يمين: “ان رئيس الحكومة لا يراسل مجلس النواب وليس من صلاحياته ان يراسل مجلس النواب الذي ليس ملزما بالنص في كتاب رئيس الحكومة بل هو ملزم بالنظر برسالة رئيس الجمهورية”.
وعلى ضوء العديد من الاجتهادات الدستورية، فإن دخول البلد في فراغ سياسي في الساعات القليلة المقبلة يفترض أن يشكل حافزا عند المعنيين للذهاب إلى حوار حول الملف الرئاسي في ضوء تسليم معظم القوى السياسية وعلى رأسها حزب الله بضرورة انتخاب رئيس توافقي.
إن الواقع القائم، بحسب يمين، والمتمثل بوجود حكومة تصريف أعمال معلن اعتبارها مستقيلة، يشكل تحفيزا للبرلمان لانتخاب رئيس للحؤول دون الفراغ. علما أن خطوة الرئيس عون هي من صلب صلاحياته الدستورية عملا بالفقرة 5 من المادة 53 من الدستور وهي أكدت على واقع قائم لم يخترعه الرئيس، وبالتالي لم يحدث الرئيس عون اي عمل ضار كما يتهمه خصومه حتى يقال ان هذا العمل يندرج في اطار الخيانة او المخالفة. إلا أن زكور الذي لا يجد أي ترابط بين رسالة الرئيس عون واستعجال انتخاب رئيس للجمهورية، يتوقع في ضوء مجاهرة التيار الوطني الحر ومن يقف خلفه ومعه، أن حكومة تصريف الاعمال في ظل الفراغ الرئاسي هي غير دستورية وغير ميثاقية، أن يدفع رئيس تكتل لبنان القوي الوزراء المحسوبين عليه إلى الاستقالة ظناً منه أن بامكانه إفقاد هذه الحكومة الميثاقية في محاولة لتكرار ما حصل مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عندما استقال منها الشيعة.
والاكيد بحسب زكور ، أن الشغور الرئاسي لا يحتم انعقاد جلسات على طريقة المراسيم الجوالة فهذه هرطقة دستورية يجب التخلص منها، لأن هذا الأمر لم ينص عليه الدستور .فحكومة تصريف الاعمال يجب ان تجتمع وتستطيع ان تجتمع لتسيير شؤون البلاد وخلاف ذلك هو الهرقطة بشكل عام، مضيفا لا يجوز استعادة تجربة حكومة الرئيس تمام سلام التي دأبت على اتخاد القرارات باجماع جميع الوزراء لأن موقع رئيس الجمهورية شاغر وهذا الامر يشكل هرطقة وتعطيلا للمؤسسات والحكومة ويمنح كل وزير حق الفيتو.
وسط ما تقدم، لا شك أن رئيس الجمهورية رسم خارطة طريق لمرحلة العودة إلى “الرابية” تظهرت ملامحها في إطلالاته التي كثفها اعلاميا عشية مغادرته “بيت الشعب”، مؤسسا لحروب سياسية مع كل من وقف عائقا امام مشروعه ومشروع تياره لإصلاح القضاء و للتدقيق الجنائي ومحاربة الفساد. وما توقيعه مرسوم استقالة الحكومة الا اول الغيث العوني، الا ان أوساطا سياسية تخفف مما تسميه “هول المفاجأت” وترى ان التصعيد العوني – الباسيلي في المرحلة المقبلة سيكون مضبوطاً بالايقاع الخارجي واهمية الاستقرار الداخلي. فذهاب البلد إلى المجهول لا يخدم أحدا وعلى رأسهم النائب جبران باسيل. وبالتالي فإن الملف الرئاسي لن تتضح وجهته الا بعد أشهر على ضوء المشهد الاقليمي – الاقليمي والاقليمي- الدولي لا سيما وان المملكة تشكل اللاعب البارز في هذا الاستحقاق وثمة رهان اليوم على تقارب سوري – سعودي من شأنه ان يشكل جسر عبور لرئيس تيار المرده سليمان فرنجية الى قصر بعبدا. وإلى ذلك الحين ستبقى هذه الحكومة تعمل عبر اجتماعات للجان وزارية وربما قد تجتمع اذا طرأت ظروف استثنائية حتمت ذلك، وحزب الله بحسب مصادره يتعاطى بايجابية مع الامر وقد أبلغ القوى المعنية بذلك.