ابتداء من منتصف ليل أمس، بات الفراغ الرئاسي واقعاً فعلياً بعد تعذر انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية، ما يعني أن البلد أمام مرحلة من التحديات في ظل فراغين: رئاسي وحكومي على اعتبار أن الحكومة مستقيلة وغير كاملة الصلاحيات، وهنا بيت القصيد اذ أن الرئيس ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أعلنا مراراً وتكراراً أن “من يظن أن حكومة تصريف الأعمال ستتولى صلاحيات الرئاسة فهو مخطئ، وهذا مس بالدستور، وهي هيئة دستورية فاقدة لشرعيتها وميثاقيتها”.
وفي اليوم الوداعي، أعلن الرئيس عون عن انطلاق الخطوات التصعيدية على أرض الواقع بعد أن وقع مرسوم قبول استقالة الحكومة، كما أرسل الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، رسالة طالب فيها بسحب التكليف الحكومي من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي. في حين عمد ميقاتي الى ارسال رسالة مضادة الى الرئيس بري، يعلمه فيها بعزمه على “متابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة” ما يظهر حجم الهوة بين الفريقين، وبالتالي المزيد من الفوضى والاصطفافات والتفسيرات والاجتهادات المتناقضة التي قد تتسبب بتوترات أمنية .
على أي حال، بغض النظر عن مفاعيل الرسائل الى المجلس النيابي ودعوة الرئيس بري الى عقد جلسة عند الحادية عشرة من قبل ظهر بعد غد الخميس، لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية، فإن المرحلة مرحلة مواجهة بامتياز، وهذا ما أكده الرئيس عون حين قال: “اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى، تحتاج الى نضال والكثير من العمل”، حتى أن مصادر “التيار” تؤكد أن صفحة جديدة من النضال تنطلق ابتداء من اليوم الثلاثاء، وستكون هناك لقاءات تشاورية لوضع خارطة طريق سياسية للمرحلة المستقبلية، وكيفية تنفيذها من ضفة المعارضة، مع العلم أن أولى الخطوات ستكون سحب وزراء “التيار” من أي جلسة قد يدعو اليها الرئيس ميقاتي، وعدم السماح بانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى حكومة تصريف الأعمال. بمعنى آخر، “التيار” سيتجه نحو خيار العصيان السياسي وربما المدني، لكن الى اليوم لم يبلغ المناصرون أي قرار بالتحرك في الشارع.
إذاً، المرحلة نضالية بالنسبة الى “التيار الوطني الحر”، والسؤال البديهي هنا: كيف سيتجسد هذا النضال، وهذه المعارضة؟ وهل سيتمكن من تحقيق الانجازات من الرابية بعدما فشل في تحقيقها خلال ست سنوات في قصر بعبدا؟
أوضح النائب أسعد درغام في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “التيار كان قبل 2016 وسيبقى بعد 2022 تياراً مناضلاً، وليس مستبعداً أن ينتقل الى صفوف المعارضة، وينسجم مع مبادئه. النضال في حياة الشعوب لا يتوقف خصوصاً عند الأحزاب التي يمكن أن تستمر في نضالها إن كانت في السلطة أو المعارضة، وليس هناك من حزب استمر في السلطة أو انتهى بعد خروجه منها”.
ولفت الى أن “المستجدات ستحدد مواقفنا اللاحقة، اذ لا يمكن اتخاذ المواقف منذ اليوم. علينا انتظار المراحل، وحين نرى أن هناك تعدياً على صلاحيات الرئيس أو أي مواربة على صعيد محاربة الفساد، فلا تساهل مع هذه القضايا، ويمكن أن نذهب الى المواجهة، ولكن لا يعني ذلك أننا سنواجه لنواجه، فهذا غير دقيق لأنه وفقاً للتطورات في الملفات، سنتخذ المواقف الملائمة”، مشيراً الى أن “أول ملف يمكن أن نواجهه هو مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية من الحكومة المستقيلة، وبالتالي، سحب الوزراء من الحكومة خيار من الخيارات لكن علينا انتظار الرئيس ميقاتي إن كان سيدعو الى جلسة”.
أما النائب أيوب حميد فاعتبر أن “من الطبيعي في ظل الشغور في موقع الرئاسة الأولى، وحكومة تصريف الأعمال التي تعتبر مستقيلة وفق الدستور، أن تكون البلاد في أزمة غير مسبوقة، لكن الكلام عن امكان عقد طاولة حوارية، دعا اليها الرئيس بري قد يفتح نوافذ معينة للوصول الى تفاهمات يمكن أن تبدأ بانتخاب رئيس جديد للبلاد. الآن ليس هناك موعد للجلسة، لكن التشاور لا يزال مستمراً وقائماً للوصول الى ما يمكن أن يحفز على عقد طاولة الحوار”.
وبالنسبة الى الخطوات التي يمكن أن يتخذها “التيار” في مرحلته النضالية المقبلة، رأى حميد أن “الموضوع يعود له، لكن التصعيد الكلامي واثارة الغزائز المذهبية والطائفية لا يصب في خانة التواصل مع الأطياف اللبنانية”. وتحدث عن مرسوم قبول استقالة الحكومة، والرسالة التي أرسلها الرئيس عون الى الرئيس بري، مؤكداً أن “الفتاوى غب الطلب وليست في موقعها. الرسالة يمكن أن تناقش الخميس أو يتم أخذ العلم بها أو لا تكون لها أي مفاعيل على الاطلاق. والنزول الى الشارع لم يؤد الى نتيجة خلال كل هذه المرحلة بل فاقم الأمور”.
واستغرب النائب عماد الحوت الخطاب الصادر عن الرئيس عون “خصوصاً أنه أمضى ست سنوات في الرئاسة، لم يتمكن خلالها من انجاز أي شيء، وهو اليوم سيكمل المسيرة. السنوات الرئاسية العجاف على المستويات كافة، والتعطيل، نخشى استمرارها في المرحلة الجديدة، واليوم عاد الرئيس عون، رئيس الشرف للتيار الوطني الحر”.
وشدد على أنه “لو كان هناك نوع من الوعي حول مصلحة المواطن وادراك حجم الأزمة، لكان الجميع ذهبوا الى تسيير ادارة الدولة من خلال الحكومة الحالية بانتظار تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية. المواجهة المقبلة سيكون عنوانها: التعطيل. التعطيل على مستوى الحكومة بسحب الوزراء، وعلى مستوى انتخاب رئيس الجمهورية بعدم السماح باكتمال النصاب، وعلى مستوى الشارع اذا اقتضى الأمر من خلال بعض الاعتصامات”.