كتب فؤاد بزي في “الاخبار”: في السادس من الشهر الماضي، أعلنت وزارة الصحة عن الإصابة الأولى بالكوليرا في شمال لبنان، ومنذ ذلك التاريخ تتلاحق الاجتماعات والتحذيرات والمطالبات بتوفير الكهرباء للوصول إلى المياه النظيفة، من دون أن تنجح هذه التحركات في الحدّ من انتشار البكتيريا التي تتمدّد كلّ يوم إلى مكان جديد بعيد جغرافياً عن الشمال وعن عرسال (البؤر الأولى). وخلال 26 يوماً فقط، خرجت الكوليرا من مكان واحد لتصل اليوم إلى 45، تتوزّع على 11 قضاء من أصل 26، ما يؤكّد بعض المعلومات التي تخشى من تحوّل لبنان إلى دولة موبوءة بالكوليرا.
وما سبق يُستدلّ عليه بمعلومات وأرقام مقلقة وردت في تقارير منظمات دولية مثل save the children عن «تلوّث 91% من مياه آبار البقاع بكتيرياً»، بالإضافة إلى أن «78% من اختبارات المياه على مستوى لبنان أظهرت تلوثاً».
وعلى مستوى المدارس الرسمية، أظهرت فحوصات عشوائية لمياه الخدمة في المدارس الرسمية تلوثاً بكتيرياً بنسبة 57%، أما المدارس التي تحصل على مياهها من الشبكة الرسمية فـ75% من نتائج فحوصاتها «غير مطمئنة»، وهذه النسبة ترتفع إلى 87% عند فحص المياه المستخدمة للخدمة في المدارس التي تستخدم الآبار.
أما الإصابات، فهي ترتفع كل يوم بحوالي الـ100 إصابة جديدة (العدد التراكمي حتى 30 تشرين الأول: 1447)، 50% من أصحابها هم أطفال أعمارهم دون الـ 14 سنة، وهذه الأرقام تمثل فقط أصحاب العوارض التي استدعت التوجه نحو المراكز الصحية، فيما تصل نسبة المصابين من دون عوارض إلى الـ75% ما يضاعف المخاطر، كون هؤلاء يستطيعون نشر البكتيريا من حولهم في المياه المبتذلة من دون أن يلتفت المحيطون.اللقاح المفقود
وجاءت نتيجة الفحوصات التي أجرتها منظمة الصحة العالمية لمياه الصرف الصحي في عين المريسة، الغدير وبرج حمود، وأثبتت وجود بكتيريا الكوليرا في النقاط الثلاث، لتثير قلقاً حقيقياً وتدفع إلى التصرّف وفق حالة طوارئ غير معلنة، أبعد من المعالجات التي تحتاج وقتاً لتطبيقها، كتأمين المياه النظيفة وتشغيل محطات التكرير، فكان التوجه صوب تأمين اللقاحات الخاصة بالكوليرا لكبح جماح التفشي المحلي، وهو ما أعلنه في وقت سابق وزير الصحة فراس أبيض عن «السعي لتأمين 600 ألف جرعة لقاح للبنان، على أن تسلّم خلال أسبوعين»، وصل منها 13 ألف جرعة قدمتها فرنسا، على أن تستعمل لتلقيح مقدّمي الرعاية من أطباء وممرضين على الخطوط الأمامية في المستشفيات الميدانية.
ولكن هناك أكثر من 27 بلداً في العالم يعاني من تفشي بكتيريا الكوليرا لأسباب متعددة منها الفيضانات والنزاعات. هذا ما سيؤدي لنقص على مستوى أعداد اللقاحات المتاحة، بالفعل صرّح فيليب باربوزا مسؤول مكافحة الكوليرا في منظمة الصحة العالمية أن «المتاح من اللقاحات لا يتجاوز البضعة ملايين، والأعداد لا تكفي». بالتالي أصدر المعنيون في منظمة الصحة العالمية وفي البلدان الموبوءة توصيات بـ»اعتماد الجرعة الواحدة بدل الجرعتين، وذلك لزيادة أعداد الملقحين والوصول إلى سيطرة جزئية على الوباء». وعلى مستوى لبنان، هذا ما ستعتمده وزارة الصحة في الأيام المقبلة، مع توقعات منظمات دولية عاملة في لبنان (save the children) أن تصل أعداد الإصابات إلى 300 ألف في حال استمرّ الوضع الحالي على ما هو.ديثير هذا الانتشار السريع لبكتيريا الكوليرا قلقاً متزايداً حول إعادة توطن البكتيريا في مياه الدول الموبوءة، ما سيجعل مياهها غير آمنة لأوقات طويلة، ويسبّب إعادة الانتشار مرة تلو الأخرى على شكل أوبئة محليّة من دون قدرة على السّيطرة النهائية. هذا القلق يدفع بمنظمة الصحة العالمية صوب إعادة تصنيف البكتيريا على أنّها خطر عالمي، أو ربما جائحة ثامنة لا سيّما بعد التحوّل الذي طرأ على البكتيريا وجعل منها أكثر قدرة على الانتشار ومقاومة المضادات الحيوية.