فراغ في بعبدا.. جنرال الرابية ينهي هدنة السنوات الستّ!

1 نوفمبر 2022
فراغ في بعبدا.. جنرال الرابية ينهي هدنة السنوات الستّ!


مع انتهاء ولاية الرئيس “السابق” ميشال عون منتصف الليلة الماضية، بعد ستّ سنوات كاملة قضاها في قصر بعبدا، دخل لبنان رسميًا مرحلة “الفراغ الرئاسي”، إن جاز التعبير، أو بمعنى أدقّ “الشغور” الذي يفترض أن تملأه الحكومة القائمة بموجب الدستور، ولو أنّ البعض يتعمّد الحديث عن “فوضى شاملة”، وفق التعبير “التهويلي” الذي رمي في الأيام الأخيرة في الأوساط السياسية، لغايةٍ في نفس يعقوب ربما.
 
وإذا كان “الفراغ” غير محبَّذ بصورة عامة، فكيف بالحريّ في ظلّ الظروف الحالية التي يشهدها البلد، على وقع أزمة اقتصادية صنّفتها المؤسسات الدولية من بين “الأخطر” في التاريخ الحديث عالميًا، فإنّ الأنظار تتّجه إلى كيفية “إدارته” من قبل المسؤولين، ولكن أيضًا كيفية التعامل معه من قبل القوى السياسية المختلفة، خصوصًا مع إعلان عون سلفًا انتقاله إلى صفوف “المعارضة”، ولو أنّ أيّ “سلطة جديدة” لم تتشكّل بعد.
 
ولعلّ “التموضع العوني” الجديد بدأ بالظهور في الأيام القليلة الماضية، من خلال الإطلالات التلفزيونية المتتالية لعون في أيامه الأخيرة كرئيس للجمهورية، والتي حاول من خلالها أن ينزع عنه ثوب “الهدنة” الذي ارتداه قبل ستّ سنوات، حين اختار شعار “بيّ الكل”، بوصفه “رئيسًا توافقيًا”، ليستبدله بثوب “التصعيد” في وجه مختلف أركان “المنظومة الحاكمة”، محيّدًا نفسه عنها، ومستعيدًا صورة “جنرال الرابية” بحلوها ومرّها!
 
“تصعيد وأكثر”
 هكذا، لم ينتظر عون حتى انتهاء ولايته الرئاسية ليستعيد صورة “جنرال الرابية”، وفق ما يقول متابعون، حتى إنّه لم ينتظر “خطاب الوداع” الذي بدا فيه كمن يفجّر “قنبلة” توقيع مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، رغم إجماع الخبراء على كونه إعلانيًا، بلا مفاعيل دستورية تُذكَر، فبدأ يكشف عن “تموضعه الجديد” قبل أيام من الموعد المنتظر، من خلال المقابلات التي أطلّ من خلالها، ووزّع مواقفه “النارية” في ما بينها.
 
برأي المتابعين، فإنّ مواقف عون، معطوفة على خطوته “الشكليّة” التي توّج بها مسيرته في بعبدا، أظهرت ميلاً واضحًا نحو “التصعيد” الذي قد يترجم في الأيام القليلة المقبلة، بدفعٍ أكثر وضوحًا من رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، خصوصًا أنّ الرئيس السابق استعار من “انتفاضة 17 تشرين” شعارها الشهير “كلن يعني كلن”، ليهاجم جميع الأفرقاء، الذين تشارك وإياهم السلطة، مستثنيًا نفسه من ذلك بالطبع.
 
بيد أنّ “أخطر” ما تجلّى في مواقف عون السابقة لانتهاء ولايته، والممهّدة ربما لما هو آتٍ، يتمثّل وفق هؤلاء المتابعين، في محاولته قطع الباب على أيّ “تفاهم أو توافق” مستقبليّ، فهو اعتبر أنّ جميع السياسيين “فاسدون”، وأنّهم من أفشلوا عهده، ورفض أن تستلم الحكومة القائمة صلاحيات الرئيس، كما يقول الدستور، بزعم أنّها “مستقيلة” فهي “فراغ”، ولم يكتفِ بذلك، بل هاجم مبدأ “الحوار”، حاجبًا حقّ الدعوة إليه عن رئيس البرلمان نبيه بري.
 
إلى المجهول دُر
 استنادًا إلى ما تقدّم، ومع وقوع “المحظور الأول”، وهو الشغور في سدّة الرئاسة، يخشى كثيرون من “المحظور الثاني” الذي قد يتّجه البلد نحوه في ظلّ هذه الأجواء من التصعيد، ألا وهو “المجهول” الذي يدفع باتجاهه “ثنائي” عون وباسيل، من دون أن تُعرَف حتى الآن ما هي خلفياته، بل ما هي أهدافه الحقيقية، وهل بهذه الطريقة يريد هذا الفريق مثلاً “فرض” خيار رئاسي محدّد، بدأ بعض “العونيّين” يهمسون به.
 
هنا، يطرح العارفون العديد من علامات الاستفهام، فما سرّ هذا التصعيد المفتوح على مصراعيه من جانب عون، ولم تمضِ على مغادرته سدّة الرئاسة ساعات معدودات؟ كيف يعلن الرجل تموضعه في صفوف المعارضة، وهو الذي مثّل الموقع الرسمي الأول ستّ سنوات كاملة؟ ثمّ عن أيّ معارضة يتحدّث، قبل أن يبدأ “عهد” جديد، وحتى قبل أن ينُتخَب رئيس جديد، يصرّ عون أساسًا على أنه يجب أن يحظى بموافقته أولاً؟
 
باختصار، يقول هؤلاء إنّ الصورة لا تزال غامضة، مثلها مثل “سيناريوهات” المرحلة المقبلة، التي قد يكون لـ”التموضع العوني” فيها تأثيراته وتداعياته بعيدة المدى، لكنّ الأكيد أنّ البلاد تمضي بخطى متسارعة نحو مرحلة شديدة التعقيد، علمًا أنّ “السجالات” التي حفلت بها الساحة السياسية في الأيام القليلة الماضية لا تبشّر بالخير، شأنها شأن خطاب “التهويل” الذي عاد ليطغى على ما عداه على أكثر من صعيد.
 
لعلّ “الجنرال” استبق “المراجعة الذاتية” المطلوبة بعد الولاية الرئاسية، ليطلق المواقف “التصعيدية”، التي قد تشكّل “انقلابًا” على السنوات الستّ، لكنّ ما يخشاه كثيرون أنّ يكون هذا “التصعيد” توطئة لمقاربة مغايرة للاستحقاق الرئاسي، قد يكون “الجنرال” مهّد لها بـ”إحياء” آمال جبران باسيل الرئاسية، حين أعلنه “مرشحًا أقوى”، ملغيًا وقع العقوبات الأميركية عليه، باعتبار أنّها “تُمحى بمجرد انتخابه”، وفق قوله!