المرشح الأول لموقع رئاسة الجمهورية عند جبران باسيل هو جبران باسيل نفسه، وعمه الرئيس السابق ميشال عون شجّعه وأقنعه بأن العقوبات الأميركية تسقط مع انتخابه. ولكن من أين يأتي له بالأصوات النيابية، ويؤمن له طريق العبور الى بعبدا محلياً؟
دعم “حزب الله” وحده لا يكفي لإيصال باسيل الى كرسي بعبدا، على الرغم من أنه المرشح الأنسب للسيد حسن نصر الله، لكنه ليس الأوفر حظاً. فواقعية الحزب تجعله يعلم أن الأوراق الرئاسية لباسيل محروقة، والظروف الداخلية والخارجية غير مؤاتية له. لذلك حاول نصر الله إقناع باسيل بدعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الا أنه لم يُوفّق.
تعنّت باسيل يضع حليفه “حزب الله” في خانة المعطّل ويحمّله مسؤولية تطيير الجلسات وتكرار سيناريو ايصال عون ولكن من غير الاعلان هذه المرة عن اسم مرشحه. فالحزب يريد فرنجية من غير أن يخسر باسيل، وهو غير مبال بإطالة فترة الشغور الرئاسي، لأنه لا يريد أن يُخرج هذا الموقع الدستوري من يد فريقه السياسي، ولن يُكرر تجربة الرئيس ميشال سليمان. وهذا يعني أن الحزب لا يقبل بقائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية، كما أنه لا يثق بأي مرشح وسطي ممكن أن يطرحه باسيل ويعقد تفاهمات معه، على قاعدة أن باسيل لطالما انقلب على تفاهماته بعد حين. فهو الذي عيّن قائد الجيش وعاداه بعدها، وهو نفسه من عيّن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وشنّ عليه حرباً حتى اللحظة الأخيرة متهماً اياه بتسييس الملفات لمحاصرة التيار والعهد.
خيارات باسيل غير مطمئنة في المرحلة المقبلة ولا ثقة بها، وخصوصاً اذا جاءت على شاكلة اختيار وزرائه الذين انتقلوا الى أحضان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. لذلك يتمسك “حزب الله” سراً بمرشح يثق به هو دون سواه، يكون وطنياً لا طائفياً، ومقبولاً من الخارج، يحفظ للحزب استراتيجياً ظهره ويوازن في علاقاته الخارجية.
حتى اللحظة، مشهد الشغور الرئاسي طويل، ولم تتوافر لفرنجية أكثرية الخمسة وستين نائباً لينتقل من بنشعي الى بعبدا، وخصوصاً أن باسيل مصرّ على عدم دعمه، ولا نية لدى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في الاتفاق معه. أما الثغرة الوحيدة في جدار التعطيل فيمكن أن تتظهر نتيجة تقدم في الموقف الدولي، يقوم على التعاون والتكامل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ضمن سلة متكاملة: اتفاق على رئيس جمهورية ورئيس حكومة وبرنامج عمل المرحلة المقبلة.
ومن باب جس النبض، يتردد في الكواليس السياسية أن لا فيتو علنياً على أي اسم رئاسي، ويجري التداول في أسماء لرئاسة الحكومة مقبولة دولياً، على رأسها السفير نواف سلام. وما إن يمشي المجتمع الدولي بالسلة الرئاسية المتكاملة، وإن كان يرأسها سليمان فرنجية، ساعتئذ يقنع الخارج جعجع بالدخول في التسوية السياسية واستلحاق حزبه. وحتى ذلك الحين، لا رئيس ولا توافق ولا هدوء سياسياً، وانتقلنا من مرحلة عهد جهنم الى الجنون القوي.