قالت “الاخبار” انه منذ بدء أزمة الجامعة اللبنانية، ينحصر «النزاع» بين إدارتها من جهة والأساتذة وروابطها من جهة ثانية، وبينهما يقف الطلاب مكتوفي الأيدي، يتحمّلون تبعات «النزاع»، بصمت. كلّ طرف يقول إنه يتحرّك وفقاً لمصالح الطلاب من دون أن يسألهم عما يريدونه وما ينسجم مع مصالحهم أصلاً. اليوم، نتيجة «تسوية» ما، تقرّرت العودة إلى التعليم حضورياً، وهو ما يريده الطلاب، لكن خلف هذا القرار عوائق وهواجس وتحديات تؤرقهم، وترتبط بالسكن الطالبي، النقل، تصوير الكورات، وصولاً إلى احترام كراماتهم.
رغم تسميتها «جامعة الفقراء»، إلا أن الجامعة اللبنانية تستقبل طلاباً من فئات اجتماعية مختلفة، حتى الفقراء فيها طبقات. لذلك لا يرى جميعهم العودة الحضورية بعين واحدة. هناك عين تلمع حماسة للتعرّف إلى شكل التدريس الجامعي في الصف وتحسّس المقاعد والألواح، أو شوقاً لها، وعين ترى فيه نهاية لعصر «الأون لاين» الذي «ضرب مستوى التعليم». وهناك عين قلقة بشأن قدرتها على مواكبة التعليم حضورياً لما يرافقه من تحديات.
رسم التسجيل «معقول»
انتظر الطلاب تحديد الرسوم التعليمية في الجامعة اللبنانية بخوف بعد شائعات عن زيادة كبيرة ودولرة، وبالتالي عدم قدرتهم على الدفع مع انعدام فرص التسجيل في جامعات خاصة، حتى صدر البيان الذي حدّد الرسوم المتوجبة على الطلاب اللبنانيين في مرحلة الإجازة بـ885 ألفاً، والماستر بمليونين و85 ألفاً، والدكتوراه بـ5 ملايين و585 ألفاً، يضاف إليها 150 ألفاً رسم المختبر. عندها «اطمأنّ» شربل، الذي وجد الرقم «معقولاً في ظلّ الأوضاع الاقتصادية القاهرة والغلاء الذي يطاول كل شيء، وليغطي حاجة الأساتذة والموظفين». رلى، أيضاً، وجدت القسط «زهيداً، ولا يساوي قسط شهر واحد في جامعة خاصة».
معظم طلاب «اللبنانية» الذين تواصلنا معهم وجدوا الرسوم «عادية» ما دام كل شيء من حولهم يزداد سعره. لكن، هذا لا يلغي فئة لطالما وجدت صعوبة في تسديدها وكانت تجمع المبلغ من هنا وهناك، لا شك أنها ستحتاج إلى جهد أكبر لجمع مبلغ أكبر. ترى سهام، أمّ لخمسة أولاد، الرسم مقبولاً إذا جرت مقارنته بالغلاء وأسعار السلع الاستهلاكية، لكنه ليس كذلك إذا جرت مقارنته براتب زوجها الذي لم يُصحَّح، والمسؤول، أي زوجها، وحده عن تحمّل عبء تعليم ثلاثة أولاد في المدرسة واثنتين في الجامعة.
السكن الطالبي
أزمة النقل البري أعادت ترتيب التلامذة في المدارس القريبة من مكان سكنهم، لكن هذا غير ممكن في حال طلاب الجامعة اللبنانية، فهم يسكنون قرب الحرم الجامعي الذي يدرسون فيه ولا يختارون فرعاً قريباً، وهذا يجعلهم، خاصة من يقطنون في القرى والمناطق النائية حيث لا فروع للجامعة اللبنانية، أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما السكن في بيوت الطلبة الخاصة «فوييه»، أو تحمّل كلفة المواصلات. فالسكن الجامعي في مجمع الحدث الذي كان يوفّر سكناً بسعر مقبول أقفل بابه أمام الطلاب الجدد، ولا ينفكّ يهدد القدامى بطردهم لأنه «ينازع» ولم توضع خطة بعد لإنقاذه.
يعيش كريم، طالب سنة ثانية معلوماتية، «هاجس» إقفال السكن في المجمع و«تهجيره» لأن ذلك يهدّد مستقبله التعليمي، «فأنا لا أستطيع تسديد تعرفة السكن الطالبي الخاص خارج المجمع ولا تحمّل كلفة المواصلات من قريتي إلى الجامعة». ينقل عن أصدقائه عدم إيجادهم بعد أي حل لتوفير السكن، يقول: «سألوا في البيوت القريبة من الجامعة، فكان إيجار سرير واحد يكلّف بالحد الأدنى 100 دولار، ويضاف إليه مصاريف خاصة تلازم العيش المستقلّ كالطعام مثلاً، وأحياناً يكون السكن بعيداً عن الجامعة فتصاحبه كلفة المواصلات».الرِّجلان للوصولأزمة النقل البري تخيّم فوق رؤوس جميع الطلاب أينما كانوا في المدن أو في القرى. فتعرفة السرفيس تساوي 50 ألفاً، وكلما كان المنزل أبعد عن الحرم الجامعي تزداد التعرفة، ما يعني أن كلفة النقل لا تقل عن 100 ألف يومياً. غدير، طالبة سنة أولى في كلية الآداب، تشكو كلفة المواصلات التي «تؤرقني، فأنا لا أعمل وأحصل على مصروفي من عائلتي». تفكر كثيراً: «ماذا لو ارتفعت أسعار المحروقات وارتفعت معها تعرفة السرفيس؟ هل سيبقى الوصول إلى الجامعة يسيراً؟ وكيف أستطيع تقسيم المصروف بين كلفة نقل وتصوير كورات وتأمين وجبة الفطور»؟ سمعت من الطلاب أن «تصوير الكورات صار يتجاوز المليون ليرة للفصل الواحد، بعدما كان لا يتعدّى الـ40 ألفاً قبل الأزمة».نسأل فرح، سنة ثانية علوم، كيف تصل إلى جامعتها؟ «للأسف»، تقولها بعد تنهيدة طويلة: «أمشي ثلاثة أرباع الساعة ذهاباً ومثلها إياباً. فليس هناك فانات والسرفيس غالي السعر»، وهذا، على حدّ قولها، ما يفعله معظم أصدقائها «الذين يستطيعون استخدام الرجلين للوصول»، باستثناء أوقات الامتحانات «نخاف أن نتأخر فنستقلّ سيارة». لا تعرف كيف ستتدبّر أمورها في الشتاء، «لوقتها، الله بيفرجها».سوء معاملة: الحالة النفسية «سيّئة»ينقل طلاب في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية – الفرع الثالث في طرابلس شكاوى حول سوء معاملتهم من قبل بعض الأساتذة والموظفين أثناء إجراء الامتحانات النهائية، «صرنا فشة خلقهم»، يتأسّفون، وهكذا يعودون إلى مقاعد الدراسة بحالة نفسية سيئة. تروي إحدى الطالبات في الكلية ما حصل معها منذ أيام، أثناء تقديم الامتحانات النهائية: «رفع المراقب رجله في وجهنا ونعتنا بالحيوانات سائلاً: في أي بريّة تعيشون؟». ومثلها كثيرون وكثيرات يتربحون جميلة بعض الأساتذة والموظفين لأن «علاقتهم تأخذ طابع الحسنة وليس الخدمة المدفوعة الأجر»، هكذا يبرّرون تصرفاتهم.مدير الكلية محمد الحاج يؤكد وروده شكاوى من الطلاب حول سوء معاملة المراقبين، «نعالجها، وإن كان الطلاب يبالغون في نقل ما يحصل». برأيه «هذا يحصل دائماً حتى عندما كانت الأمور بخير، وازدادت هذه الحوادث مع تدهور حال الموظفين والأساتذة». وينفي كل الملاحظات التي نقلها الطلاب في الكلية عن تثقيل المناهج، وتراجع نسب النجاح مقارنةً بالسنوات الماضية، وحرمان الطلاب من حقهم في تقديم الطعون وفتح المسابقات. “الأخبار”