لا جدال في “القطيعة التامة” بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، منذ “انقلاب” كلّ منهما على الآخر بعد سقوط “تفاهم معراب” بصورة نهائية، “قطيعة” دفعت “القوات” إلى رفض استقبال وفد تكتل “لبنان القوي” الذي جال على مختلف الكتل البرلمانية والنواب المستقلين في الآونة الأخيرة، لعرض ما وُصِفت بـ”المبادرة الرئاسية”، تمامًا كرفضها “الحوار” مع رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل.
لكن، رغم “القطيعة”، اجتمع “التيار” و”القوات” من جديد، هذه المرّة على “تطيير” المبادرة الحوارية التي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يعتزم إطلاقها، حيث تعمّد “الأستاذ” في بيان اعتذاره عن عدم السير قدمًا في مساعيه، اتهام “الثنائي المسيحي”، إن جاز التعبير، بتعطيل جهوده، نتيجة الاعتراضات والتحفظات التي أبدوها، وإن تفاوتت في “مضمونها”، بل ربما “تناقضت” من حيث المبدأ، كما يرى الكثير من المتابعين والمراقبين.
إلا أنّ تلاقي “التيار” و”القوات”، ولو لم يحمل حتى الآن مقوّمات الجدية، من شأنه أن يطرح علامات استفهام حول احتمال ذهاب الطرفين في نهاية المطاف إلى “تفاهم” جديد، أو ربما “تسوية” لا تشبه بالضرورة تلك التي أبرماها عام 2014، وأفضت إلى انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وفق “صفقة شاملة”، ولكن تتيح بالحدّ الأدنى “تحرير” الاستحقاق الرئاسي، من خلال الاتفاق على شخصية تستطيع نيل الأكثرية النيابية المطلوبة.
التفاهم “غير وارد”!
بالنسبة إلى “القوات”، فإنّ التفاهم مع “التيار الوطني الحر”، وتحديدًا مع باسيل، غير وارد بالمُطلَق، فـ”المؤمن لا يلدغ من حجر مرّتين” وفق ما يقول بعض المحسوبين عليها، مشيرين إلى أنّ رئيس الحزب سمير جعجع تلا “فعل الندامة” بعدما أدرك أنّ الهدف من “التسوية الرئاسية” لم يكن أكثر من تأمين “غطاء مسيحي” لعون، وذهب إلى حدّ “التنصّل” من مسؤوليته عن انتخابه، وهو بالتالي ليس مستعدًا ليعيد الكرّة مرة أخرى.
يقول “القواتيون” إنّ جعجع لو أراد فعلاً التفاهم مع باسيل، والتوصل معه إلى “صفقة ما”، كما يروّج البعض، لما تأخّر في “تلقّف” يد باسيل “الممدودة”، كما وصفها “المزايدون” على الأخير، ولقَبِل التحاور معه للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين، ويوافق عليه سائر الأفرقاء، إلا أنّه يرفض إعطاء هذا “الامتياز” لباسيل، وهو الذي يختلف معه على مقاربة الاستحقاق برمّته، خصوصًا أنّ المطلوب برأيه رئيس “قويّ” جاهز لمواجهة مشروع “حزب الله”.
وبالمناسبة، يرفض المحسوبون على “القوات” البناء على “التقاطع” مع “التيار” على تطيير الحوار لاستنتاج أمور غير واقعيّة، فحتى في هذا “التقاطع”، كان التناقض “فاقعًا”، ففيما تصرّ “القوات” على وجوب انتخاب رئيس قبل أيّ شيء، يجد باسيل الوقت مناسبًا لـ”يتغنّج”، فيبرّر رفضه للحوار بأنّ بري “يشتمه” ليس إلا، أي أنّه كان ليشارك في الحوار بلا تردّد، لو أنّ رئيس المجلس “سايره”، وحافظ على علاقة “جيدة” معه، وهنا بيت القصيد.
كل شيء ممكن!
لكن، بخلاف “الرفض المطلق” الذي لا يزال “القواتيون” يتمسّكون به، ثمّة من يعتقد أنّ مثل هذا “التصلّب” قد لا يدوم، لأنّ “الحوار” بين “التيار” و”القوات” قد يصبح إلزاميًا في وقت من الأوقات، طالما أنّ فرض أيّ مرشح “مواجهة” يطرحه جعجع ستكون منعدمة، طالما أنّه لن يحصل على 86 صوتًا، وفق اجتهاد “حزب الله” القائل بـ”ديمقراطية” إفقاد النصاب، ولو دام الفراغ دهرًا من الزمن، تمامًا كما حصل أساسًا في تجربة 2014.
ولا يُعتقَد أنّ الظروف الحالية التي لا تشبه ظروف 2014، معطوفة على “خطورة” ديمومة الفراغ ولو ليوم واحد، ستغيّر من موقف “الحزب”، من يوحي بأنّ “التفاهم المسيحي”، وتحديدًا بين “التيار” و”القوات”، قد يصبح “المَدخَل الوحيد المُتاح” لانتخاب رئيس، خصوصًا أنّ أيّ توافق بين باسيل ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إن دفع باتجاهه “حزب الله”، قد يصطدم بدوره بسلاح “التعطيل”، لكن هذه المرّة من المعسكر المضاد.
ولعلّ ما يزيد من هذا الاحتمال أنّ المحسوبين على “التيار”، رغم هجومهم شبه اليومي على جعجع، والذي لا يخلو من الأسقف النارية التي يتمّ فيها تجاوز كلّ الخطوط الحمراء، يؤكدون “انفتاحهم” على أيّ “تفاهم” مع جعجع أو غيره، إن كان الهدف منه إنهاء أزمة الفراغ، علمًا أنّهم وضعوا البطريرك الماروني بشارة الراعي في هذا الجو، وأنّ الأخير بات “أقرب” إلى منطق “التفاهم” الذي يعبّر عنه “التيار”، وفق ما يقول “العونيّون”.
يتفق “العونيون” و”القواتيون” على أنّ العودة إلى “تفاهم معراب” مستحيلة. ثمّة من يهمس أساسًا أنّ العودة لمثل هذا التفاهم تقتضي “ردّ الجميل” لجعجع، من خلال انتخابه رئيسًا، وقد يكون هذا شرط “الحكيم” للتفاهم، فيما يدرك القاصي والداني أنّ ذلك من “سابع المستحيلات” بوجود “فيتو” معروف على شخص جعجع. لكن، أبعد من “الصفقة” المرفوضة، يبقى “تفاهم الحدّ الأدنى” بين الجانبين، أكثر السيناريوهات “واقعية” لتحرير الرئاسة، فهل يحصل؟!