كتب جورج شاهين في” الجمهورية”: لم يكن ممكناً ان تخرج الجلسة النيابية لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون بأفضل مما خرجت به، وطالما انّها أنعشت حكومة تصريف الاعمال، فإنّ الأنظار توجّهت إلى رصد النسخة البديلة من طاولة الحوار التي سحب رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة اليها في انتظار الصيغة البديلة، وسط مخاوف مما يقود إلى استنساخ “تسوية العام 2016” في شكلها ومضمونها لانتخاب الرئيس العتيد، نظراً إلى صعوبة إحياء “الستاتيكو” الذي ولّدها.
هناك من يخشى من محاولة لاستدراج البلاد إلى تسوية سياسية كتلك التي ولدت عام 2016 بصفقة رئاسية ـ حكومية ـ إدارية وأمنية، ادّت الى إيصال عون الى قصر بعبدا على خلفية تقاسم المواقع مع “القوات اللبنانية” واحتفاظ الرئيس سعد الحريري بموقعه رئيساً للحكومة طوال سنوات العهد، وديمومة تجاهل البحث في القضايا الجوهرية كمثل الاستراتيجية الدفاعية التي يمكن ان توفّر مخرجاً للسلاح غير الشرعي وطريقة استخدامه ومنع مؤثراته من ان تطاول الأنظمة والدول العربية والخليجية لفك الحصار الذي استجلب هذه المواقف السياسية الحادة التي أبعدت لبنان عن “حياده” الإقليمي والدولي تجاه أحداث المنطقة والعالم، وجعلته في “محور الممانعة”، فزادت الضغوط عليه من عزلته القطيعة الخليجية والعربية والغربية إلى درجة إهمال القضايا التي يعانيها وتركه يواجه وحيداً ويقتات من اللحم الحي، وقد بات شحيحاً جداً لا يكفي لتوفير ساعة من الكهرباء وعلبة من الدواء وليتر من الماء وصفيحة من المحروقات عدا عن ربطة الخبز وغيرها من الحاجات اليومية الحيوية والملحّة للبنانيين.
اما وقد حمّل بري ثنائي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” مسؤولية تعطيل فكرة الدعوة الى الحوار أو التشاور، فقد رفع من حدّة المواجهة على اكثر من جبهة. فالمعارضون الذين تجاهلهم في العلن لم يقبلوا الدعوة الى الحوار، وصدر اكثر من موقف، وأكثرها صراحة كانت الدعوة التي أطلقها لقاء النواب الـ 27 من اجل انعقاد دائم للمجلس النيابي لانتخاب الرئيس قبل القيام بأي عمل آخر، وهو ما أضعف من احتمال ان يجدّد بري دعوته مرة أخرى الى هذا الحوار. فمن تجاهلهم بمساعيه يساوون في اعتراضهم من سمّاهم وحمّلهم المسؤولية مخافة ان تتجدّد “التسوية السيئة” التي كانا من أبرز اطرافها، والتي حكمت العهد منذ بدايته وحتى وقع الإنهيار الكبير في النصف الثاني منه، وجعل اللبنانيين بين خيارين سلبيين، فإما يعيشون في “جهنم” أو في “العصفورية”، مع ما استجلبت الساحتين من أعراف وتقاليد مستحدثة لم يعرفها لبنان من قبل، وهي ما زالت قائمة تهدّد حاضرهم ومستقبلهم على حدّ سواء.