على رغم “السطوة الرئاسية” لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، والتي سمحت له بـ”مدّ” يده على المؤسسة العسكرية، لم يكن قائد الجيش العماد جوزاف عون “أداة طيّعة” لدى من إعتبر نفسه فوق القانون، أو بالأحرى هو القانون، لأنه كان “الصهر المدلّل”، والذي لا يُرفض له طلب.
لكن صلابة العماد القائد لم تلن أمام التهويلات و”العنتريات”، كنهج كان يتبعه “الصهر المدلّل”، بإعتبار أنه كان يستقوي بمن هو القائد الأعلى للقوى المسلحة، وأن كلمته “ما يتصير تنين”، سواء في المؤسسة العسكرية أو في السلك القضائي.
وبعد زوال هذا “الكابوس” كان أول إمتحان واجهه الجيش بعد دخول البلاد في دهليز “الفراغ الرئاسي” ما حصل ليل أمس الأول، وقبله بقليل، حيث عمد إلى وضع حدّ لما قام به ما يُسمى “الحرس القديم”، الذي يأتمر مباشرة بأوامر السيد جبران باسيل، وبغطاء مباشر من الرئيس السابق للجمهورية، في محيط محطة الـ”أم تي في”، في محاولة لزعزعة الإستقرار، ولإثبات أن هذا الإستقرار كان مؤّمنًا طيلة فترة ولاية الرئيس عون، وما كان معه لن يكون مع غيره.
إلاّ أن هذه المخططات، التي تنمّ عن “تفكير شيطاني تخريبي”، لم ينطلِ على الأجهزة الأمنية في مختلف القطاعات العسكرية والقوى الأمنية، التي تعمل كجسم أمني واحد متكامل الأدوار، وبالأخصّ في جال الأمن الإستباقي والأمن المخابراتي، وذلك لدرء أي فتنة محتملة من أي جهة أتت، مع العلم أن الذين يتحينون الفرص كثرٌ، وأن المصطادين في المياه العكرة لا يُعدّون ولا يحصون.
وكان العماد عون، وفي اول موقف من نوعه، بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، قد اعلن في اجتماع لاركان القيادة وقادة الوحدات والافواج في اليرزة في حضور اعضاء المجلس العسكري، انه ممنوع المسّ بالسلم الاهلي، مؤكدًا ان الوضع الامني ممسوك، وقال: “دخلنا في مرحلة الفراغ وهناك انتظار انتهاء هذه المرحلة، وانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة”.
ونأى العماد عون عن التجاذبات بين الافرقاء “الذي قد يترافق مع محاولات البعض لاستغلال الوضع بهدف المساس بالامن، مشيرا الى أن الجيش غير معني بهذه التجاذبات، ولا ينحاز الى أي طرف او جهة، وما يعنيه صون الاستقرار والسلم الاهلي، داعيا اصحاب الشأن الى التحلي بالمسؤولية حفاظاً على المصلحة العامة.وهذا الكلام اللافت للعماد عون يعني في ما يعنيه أنه يتصرّف في كل آن وزمان على أنه كقائد للجيش ليس إلا، وأن كل الكلام الرئاسي المتداول حول إسمه لا يعنيه في الوقت الحاضر لا من قريب ولا من بعيد، خصوصًا أن لا بوادر تشير إلى إستعداد مختلف الكتل النيابية للذهاب نحو إمكانية تعديل دستوري، على رغم أن هذا الخيار يبقى واردًا وفق ما تقتضيه الظروف الدولية والإقليمية ومدى تأثّر الداخل بهذه الظروف.
المهم بالنسبة إلى قيادة الجيش وسائر القوى الأمنية قطع الطريق على أي محاولة من قِبَل بعض المغامرين الذين يستهوون مقارعة طواحين الهواء، والذهاب إلى أبعد من ذلك، من خلال تحريك بعض المجموعات لزعزعة الإستقرار والسلم الأهلي، والدخول في دوامة الفعل وردود الفعل. وقد يكون ما حصل أمام محيط الـ”أم تي في” نوعًا من “البروفا”، في محاولة لجس النبض، ومعرفة كيفية التعاطي مع أي إشكال مستقبلي.
وبوقوف الجيش في وجه مثيري الشغب يكون العماد عون قد وجّه أكثر من رسالة في كل الإتجاهات، وبالأخصّ إلى السيد باسيل، بعدما أصبحت مطامعه وأهدافه الصغيرة والكبيرة معروفة، وبعدما توالت عليه الإنتكاسات، وكان آخرها عرقلة عمل حكومة تصريف الأعمال، التي لن تترك البلاد في حال من “الفراغ” الشامل.