هي الفوضى بأم عينها، والفتنة بمرها وقساوتها التي وعد بها “التيار” غير الوطني وغير الحر بعد أن انتهت مرحلته الذهبية، لأن الوطني لا يعرّض السلم الأهلي الذي دفعنا ثمنه باهظاً بالأرواح والممتلكات، والحر لا يتعدى على الحريات أهم قيم المجتمع اللبناني، وما حصل في محطة الـ “ام تي في” أول من أمس وصمة عار على جبين “التيار الوطني الحر”، ويضع البلد على فوهة بركان ما استدعى القوى الأمنية الى التدخل لكبح جماح الفتنة. وما يزيد القلق حول الوضع، اعلان الجيش عن ضبط أشخاص يجندون شباناً لمصلحة تنظيم “داعش” الارهابي لارتكاب اعتداءات في الداخل اللبناني، وضبط شخص كان يتهيأ لتنفيذ مخطط ارهابي. كل ذلك، دفع بالكثيرين الى الدعوة للتمسك باتفاق الطائف، ضماناً للاستقرار في هذه المرحلة الدقيقة.
وسط هذه المشهدية، يتربع فخامة الشغور على كرسي بعبدا، ويضع معه البلد المفتت والمنهار على كف عفريت ما حتّم على حكومة تصريف الأعمال تسيير أمور الدولة بحدها الأدنى، وهذا ما اعتترض عليه “التيار” على اعتبار أن الحكومة المستقيلة فاقدة لشرعيتها وميثاقيتها، وكانت له الكثير من المواقف التصعيدية تجاه الحكومة التي “لا يمكنها أن تأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية لأن ذلك سيؤدي الى فتنة”. الا أن كل هذا التصعيد لم يلق أي صدى على الساحة السياسية والدستورية ما جعل “التيار البرتقالي” في حالة من التوتر وفق أحد المتابعين لأنه: أولاً، الفوضى الدستورية التي أرادها ماتت في مهدها لأن الدستور واضح. ثانياً، رسالة رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي حول وظيفة حكومة تصريف الأعمال وصلاحياتها، عادت خائبة ومذلة. ثالثاً، تضييق دائرة تحرك جمعية المودعين بعد كف يد القاضية غادة عون عن تأمين الغطاء لها. رابعاً، الاشكال في الـMTV، والاعتداء على المتحاورين، ومحاصرة المحطة واستخدام السلاح، كل ذلك يثبت من دون أدنى شك أنه مع انتهاء العهد، طويت مرحلة الاستئثار والاستكبار، وهذا ما لم يتقبله “التيار البرتقالي” بسهولة.
وسط هذا الضجيج والفوضى والبلبلة ومحاولة إشعال الفتنة، ووسط الشغور الذي يحاول البعض سده من خلال الدعوة الى مؤتمر من هنا أو طاولة حوار من هناك، تشدد مختلف الأطراف السياسية على ضرورة التمسك باتفاق الطائف أكثر من أي وقت مضى لأنه الأكثر ضماناً للاستقرار في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة، ويصون الوحدة الوطنية، ويشكل المرجعية الدستورية الوحيدة التي تكفل إدارة الدولة .
واعتبر أحد المعنيين بوثيقة “الطائف” أن “الخروج السياسي عن احترام بنود الطائف ان كان اقليمياً أو محلياً، وعلى المبادئ التي اتفق عليها في الطائف، يعرض لبنان ووحدته للخطر”.
وشدد أحد المسؤولين عن مركز دراسي على “ضرورة أن تتداعى كل القوى السياسية الحرة والصادقة والحريصة على سيادة لبنان وحريته ووحدته الوطنية وعروبته الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعيداً كل البعد عن هذه الحالة المرضية التي نعيشها، ويسعى مع الحكومة اللبنانية والمجلس النيابي الى تطبيق وثيقة الطائف كلياً لا انتقائياً كما حصل في السنوات الأخيرة. تطبيق وثيقة الطائف هي الخطوة الأولى والمهمة لبناء الدولة الوطنية الحديثة، القوية والعادلة”.
وفيما تنظم السفارة السعودية الذكرى الـ33 لتوقيع اتفاق الطائف، في “الأونيسكو” اليوم، بمشاركة أحزاب سياسية وشخصيات ساهمت في وضع وثيقة الطائف، وحضور الديبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي كان الوسيط في تأسيس الإتفاق، اعتبر أحد المحللين أن الدعوات الى الحوار مخيفة وليست بريئة، وأي طاولة حوار تعني أن القوي سيفرض رأيه، وسيطلب تغيير الدستور وتعديله على حساب فريق لبناني آخر. من هنا، تأتي أهمية التمسك باتفاق الطائف الذي أوقف القتل على الهوية، والذي بدونه لا سلم أهلي، والذي كرّس المعادلة الشهيرة أن المسيحيين قبلوا بعروبة لبنان كما أن المسلمين قبلوا بنهائية الكيان، وذلك، على الرغم من أصوات النشاز من هنا وهناك المترافقة مع ممارسات يقوم بها الموتورون الذين يرفضون أي آخر، بطائفية بغيضة.
وبالعودة الى ما حصل داخل محطة الـ”ام تي في” وخارجها، والذبذبات غير المطمئنة، رأى أحد المحللين أن هذا مؤشر على الاخفاقات المتعددة التي قام بها النائب جبران باسيل الذي أراد افراغ لبنان من رئاسة الجمهورية ومن مجلس الوزراء ليصل الى ما نادى به، أي عقد اجتماعي جديد على أنقاض وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بالطائف. بعد ما جرى في الجلسة الأخيرة في المجلس النيابي، وما أعلنته جامعة الدول العربية عن تأييدها ودعمها لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، انتقل باسيل برعاية عمه الى الخطة باء، لناحية نشر الفوضى والفتن لاعادة الحالة العونية الى الحكم بعد أن أفسدت البلاد والعباد منذ العام 2005 أي منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري. ان كان هذا ما يعدنا به “التيار” بعد انتهاء الولاية، فيكون يستحق وسام “النحس والفتن” بجدارة. على أي حال، يعاني “التيار” من حالة تخبط وإحباط بعد أن انكسرت شوكته، فبالاضافة الى الاخفاقات المتتالية التي ظهرت في اليومين الأخيرين، فيأتي ما حصل مع أحد المودعين مؤخراً في أحد المصارف حيث استمر التفاوض معه الى فجر اليوم الثاني، ليثبت أن أيام العز ولّت الى غير رجعة. خلال الاقتحامات السابقة، كان يحصل المودعون على أموالهم، مرتكزين على دعم جمعية المودعين، وعلى رأسها رامي عليق “زلمة” القاضية غادة عون، ويتلقون الأوامر منها بمعنى أنهم كانوا يتمتعون بغطاء مباشر منها، لكن اليوم، بعد انتهاء الولاية، تغير التعامل مع المودعين بعد رفع الغطاء عن الجمعية، اذ اتخذ مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات قراراً باعتبار كل مقتحم هو مرتكب جرم جنائي، والأمور هادئة حالياً نوعاً ما .
الراعي: العيش المشترك يتعثّر في لبنان
على صعيد آخر، التقى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، خلال استقباله رؤساء الكنائس المشاركين في أعمال “ملتقى البحرين للحوار”، ودار الحديث بينهما عن الأوضاع في لبنان. وشدد الشيخ حمد على محبته وقربه من لبنان وشعبه، “ونحن العرب لن نترك لبنان”.
وقال الراعي: “اختبار العيش المشترك في لبنان، قائم على نظامه السياسي. هذا العيش يتعثّر حالياً لأن قاعدة (لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه) كما تعلنه مقدمة الدستور، لم يواكبه بكل أسف لدى البعض من شعبه (الولاء للبنان دون سواه)”.