لم يكُن المؤتمر الوطنيّ للذكرى الـ33 لإبرام “اتفاق الطائف” الذي عُقِد، أمس السبت، في قصر الأونيسكو – بيروت، سوى مُقدّمة واضحة لإرساء مُعادلة واحدة مفادها “تثبيت الكيان اللبناني وعدم المساس به مهما كان”.
حُكماً، وعلى هذا الأساس، كان الاجماعُ الضّمني من مختلف الأطراف المشاركة في المؤتمر، يصبّ حول أهمية صونِ “الطائف” والارتكازِ إلى مضمونِه والمطالبة بتطبيقهِ، في حين أن النقطة الأكثر بروزاً تمثّلت في انتفاء كل كلامٍ يُطالب بـ”تعديل الطائف” على اعتبار أنّ الكثير من بنوده الجوهريّة قد جرى تهميشها منذ إقراره عام 1989.
يوم أمس، كانت لافتة جداً مشهدية المُشاركة السياسيّة في المؤتمر الذي ثبّت السلم الأهلي بإرادة سعودية – لبنانية وعربية واضحة. إلا أنه في المقابل، غابت مكونات أساسية عن المؤتمر مثل “حزب الله” الذي يُعتبر من اللاعبين المؤثرين على الساحة السياسية، ومن أكثر المُنخرطين في النقاش المُرتبط بـ”الطائف”.
في بادئ الأمر، ما تبيّن هو أنّ “حزب الله” لم يتلقّ أي دعوة للمشاركة في المؤتمر، وتقول مصادر مقرّبة منه لـ”لبنان24″ إنّ “هذا الأمر بديهيّ لأنّه لا علاقة مع المملكة العربية السعودية”. لكنه على صعيد مُختلف، تشيرُ المصادر عينها إلى أنّ “مضمون المؤتمر لا يتعارض ولا يتنافى مع توجّهات حزب الله باعتبار أنّ روحيّة الطائف ساهمت في إنهاء اقتتالٍ داخلي ينبذهُ الحزب بكلّ معانيه”، وتضيف: “لم يكُن حزب الله في أيّ يوم ضدّ الاتفاق، بل دعا مراراً إلى تطويره وتحسينه وقبل أي شيء إلى تطبيقه. هنا، وعلى هذا الأساس يتمّ التلاقي مع مضمون المؤتمر والكلام الذي قيلَ به، بغضّ النظر عن الشؤون السياسية والإقليمية الأخرى”.
عملياً، لا يُمكن لـ”إتفاق الطائف” أن يُشكّل عائقاً أمام “حزب الله”، إذ من خلالِه استطاع الأخير أن يندمجَ في العمل البرلمانيّ لأوّل مرة اعتباراً من العام 1992 الذي شهد أوّل انتخاباتٍ نيابيّة عقب إبرام الاتفاق. ولهذا، فإن الحزب كان من المُستفيدين من “الطائف”، كما أنه من أكثر الأطراف التي حازت على ضمانةٍ واضحة بعدم تجريدِها من سلاحِها أسوة بباقي الميليشيات التي ضُبط وجودها من خلال الاتفاق الذي أرسى حالة السّلم.
واستناداً إلى ذلك، ما يصلح قوله هو أن “الطائف” شكّل قاعدة أساسيّة للعمل السياسي لـ”حزب الله” من خلال إتاحة الفرصة له للاندماج مع الدّولة اللبنانية بمعزلٍ عن العمل العسكريّ الذي يمارسه. كذلك، فإنّ كلّ ما ارتبط بـ”الطائف” من دستورٍ ووثائق واتفاقيات لم يستهدف “حزب الله” بالصميم، ما يعني أنّ الأخير يحتاجُ إلى ذاك الاتفاق للإستمرارِ سياسياً، وهذه مصلحة وأولويّة للوجود والبقاء.
وبمنأى عمّا استطاع “حزب الله” تكريسه من خلال “الطائف”، فإنّ ما يبقى ثابتاً هو أن أي إنقلاب من قبل الحزب على الاتفاق سيعتبرُ ضرباً لـ”الكيان اللبناني”، وبالتالي الوصول إلى اقتتالٍ جديد وتغيير في روحيّة النظام القائم. وإلى جانب ذلك، فإنّ مطالبة الحزب باتفاق جديد قد ينسُف “المثالثة” التي ضمنت للطائفة الشيعية نفوذاً كبيراً داخل السلطة. فهل سيقبل أبناء الطائفة بخسارة هذا الأمر الذي يُشكل ضمانة سياسية راسخة؟
ولهذا، فإنّ من مصلحة الحزب اليوم، ولضمان نفسه، الاستمرار بالاتفاق الحالي من دون الدخول بمطالبة جديدة لإطلاق مؤتمر تأسيسي جديد، لأن تلك الخطوة قد تُناقش شرعية سلاحه بكل قوة، وبالتالي السعي لـ”نسفها”. وهنا، يُطرح السؤال: هل سيقبل الحزب بذلك؟ بكل ثقة، الجواب “لا”، ما يعني أن استمرار “الطائف” بصيغته الحاليّة هو أبغض الحلال لدى “حزب الله” من الدخول في تسويةٍ تمهد حقاً لنزع سلاحه الذي بات يتمسّك به أكثر من أي وقتٍ مضى وتحديداً بعد تسوية ترسيم الحدود البحريّة مع العدو الإسرائيليّ.