ما هو موقف الكنيسة المارونية من اتفاق الطائف بعد 33 عاماً على إقراره؟

6 نوفمبر 2022
ما هو موقف الكنيسة المارونية من اتفاق الطائف بعد 33 عاماً على إقراره؟


نشرَ موقع “مصدر دبلوماسي” النصّ الحرفي للكلمة التي ألقاها المطران بولس مطر خلال المؤتمر الوطني الذي أقيم، أمس السبت، في قصر الأونيسكو – بيروت، لمناسبة مرور 33 عاماً على إبرام اتفاق الطائف.

وحضر مطر في المؤتمر ممثلاً البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وقال: “أولاني صاحب الغبطة والنيافة، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك انطاكيا وسائر المشرق الكلي الطوبى شرف تمثيله في هذا الاحتفال المهيب بمرور ثلاثة وثلاثين عاما على توقيع الميثاق الوطني اللبناني المعروف باتفاق الطائف. وكانت قد دعت اليه مشكورة المملكة السعودية العربية الشقيقة، نصيرة العرب جميعا، في بناء وحدتهم وفي تلبية احتياجاتهم وفي الوفاق ضمن صفوفهم، واشاعة المحبة والسلام في مجمل ربوعهم. وإذ أشكر من صميم القلب سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجمهورية اللبنانية، الأخ العزيز وليد بن عبد الله البخاري على مبادرته بإحياء هذه الذكرى الطيبة، نعرب مجددا نحن اللبنانيين عن حفظ جميلنا لهذا العمل الانقاذي الكبير، المتمثل باحتضان المملكة الشقيقة لوطننا لبنان يوم كان مصابا بأنواع البلايا والحروب والانشقاقات، وبرعايتها المؤتمر الذي دعت اليه في مدينة الطائف المسؤولين اللبنانيين وبتقديم النصح والمساعدة لهم في تفاهمهم من جديد حول مصير بلادهم، فإذا لهذا الاتفاق الذي توصلوا اليه بعد جهد عنيد يطوي صفحة الحرب والخصومات القائمة على ارضهم ويمنح البلاد فرصة جديدة لاقامة السلام والنهوض بالوطن الجريح والسير به على طريق المصالحة والتوافق واعادة البناء”.

وأضاف: “كم يطيب لنا ان نذكر ما حمله هذا الاتفاق من تأثيرات حاسمة حول التمسك بلبنان وطنا نهائيا لجميع ابنائه على السواء، وحول التوافق الواقعي والضروري بين عروبة لبنان وهويته الوطنية الخاصة، على عكس ما كان يتصور البعض على مدى عقود وقعت فيها خلافات لا مجال لها امام الناظرين في العمق الى جوهر الامور. فمثلما كان العرب يتميزون بداية بين العاربة والمستعربة، كذلك كان للعروبة أن تدخل الى مجمل البلدان من حولنا وان تلتقي بحضارات تفاعلت معها فاغتنت منها وأغنت. وما لبثت ان تحوّلت الى واقع حضاري واسع والى رسالة في العيش معا بين مسلمين ومسيحيين ينتمون اليها ويتعهّدونها في شراكة الايام وفي ضم المصير. وكان للبنان دور خاص في هذا المجال، اذ التقى على ارضه المسيحيون والمسلمون فقيّض لهم أن يحيوا شراكة خاصة في ما بينهم أدّت بهم الى قيام وطن لهم يتميز بين الاوطان بهذا العيش المشترك السوي في بلادهم وبوحدة الحياة والتطلعات وبالتنوع الثقافي فيها وبالحرية الكاملة بكلّ ابعادها الاجتماعية والسياسية والدينية، وبجانبها حرية الرأي والمعتقد والضمير، فنوّه المؤتمر بكل هذه الخصائص المتعلقة بهوية البلاد ورأى فيها الثوابت التي تموت، وبهذه الهوية، مميزا اياها عن نظام الحكم الذي يقبل التطوير والتغيير بحسب المصلحة العامة التي يتفق عليها المواطنون ليصونونها من اجلهم ومن اجل اجيالهم على السواء”.

وأكمل: “وليسمح لنا جميعا في هذه المناسبة الوطنية والعربية الغالية، أن نجد تشبثا لقيمة هذه التجربة اللبنانية الثمينة والقائمة مع تكوين وطن واحد يتألق أهله من مؤمنين باديان مختلفة، ويتآلفون معا في السراء، وفي الضراء وذلك بالعودة الى اول دستور سياسي للاسلام وضعه الرسول العربي في المدينة مع ما هو معروف في سياق التاريخ. فقد جاء في هذا الدستور قول يفيد بأن المسلمين والمؤمنين هم في المدينة أمة واحدة، فالمسلمون هنا مذكورون بإسمهم مباشرة، أما المؤمنون فليسوا سوى اهل الكتاب وعلى رأسهم المسيحيون. أفلا يعني هذا الكلام ان المسيحيين ليسوا غرباء عن الامة بل هم في صلبها على مستوى السياسة والمجتمع وسبل الحياة؟ ونشير في هذا المجال الى أن القرآن الكريم لم يذكر ابدا ولا أي شيء عمّن ندعوهم اليوم بالأقليات. فالاقليات شيء وأهل الكتاب شيء آخر. لا بل هم يحتلّون مكانة خاصة حتى في صلب العقيدة الاسلامية. وقد كان للمسيحيين كما معروف منزلة خاصة في قلب النبي وهم صلّوا في بيته وإن كان الأمر كذلك فعلى المسلمين من بعده أن يحفظوا للمسيحيين منزلة خاصة في قلوبهم الآن والى يوم القيامة”.

وتابع مطر في كلمته: “فيا أيّها اللبنانيون الاحباء، إن وطننا العزيز لبنان هو ارث ثمين حضاريا وروحيا وانسانيا، فلا تضيّعوه، وهو وطن العيش الواحد السويّ الذي تأمر به اديانكم. فلا تجحدوا ايمانكم، فإن في ذلك كفر أثيم. اعطاكم مؤتمر الطائف ان تبنوا وطنكم من جديد، فلا تضيّعوا هذه الفرصة، وتمسّكوا ببعضكم البعض. لقد التقى اول من أمس بدعوة من جلالة ملك البحرين قداسة البابا فرنسيس وسماحة الشيخ أحمد الطيّب إمام الأزهر الشريف في مؤتمر حوار بين الشرق والغرب، مذكرين الناس انهم اخوة جميعا بالانسانية، ونحن من في لبنان اخوة في الوطنية وفي العروبة كما في الانسانية ايضا. فكيف لأخ أن يترك أخا في الطريق؟ ألا حاوروا بعضكم بعضا فالحوار هو كالدّورة الدموية، ولذلك يجب ألا ينقطع. وإن تحاورتم، فحافظوا على ثوابت الوطن وغيّروا ما يمكن وما يجب ان يتغير، فيبقى لبنان ويتجدد مع الدوام. 
والشكر، كل الشكر لسعادة سفير المملكة العربية السعودية العزيزة، سائلينه أن ينقل اريحيتنا الى خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز والى ولي عهده سموّ الأمير محمد بن سلمان”.
 
وختم: “انهي كلامي بشهادة للمحبة التي يكنّها جلالته للبنان ولشعبه، فإني قد فرحت فرحا عظيما عندما قال جلالته لغبطة أبي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يوم لبّى دعوة جلالته الى زيارته في الرياض، وكان لي شرف مرافقته. قال عن اللبنانيين المقيمين في المملكة على اثر سؤال من غبطته عنهم، بأن اللبناني في المملكة هم بمثابة عيوني، سلمت عيناك يا صاحب الجلالة ولك من الرحمن ربك خير جزاء، والسلام عليكم ورحمة الله”.