إلغاء الطائف يعني العودة إلى الحرب الأهلية

7 نوفمبر 2022
إلغاء الطائف يعني العودة إلى الحرب الأهلية


في مقالة الأمس تناولنا الدور الذي لعبه العماد ميشال عون للحؤول دون وصول نواب الأمة إلى مدينة الطائف بدعوة من المملكة العربية السعودية، وما تضمّنه إتفاق الطائف من تعديلات قيل إنها إنتزعت صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي كان قبل “الطائف” مطلق الصلاحيات، ولكن وعلى رغم كل ذلك يبقى لرئيس الجمهورية، قبل الطائف وبعده، الصفة التي لم تُمنح لغيره من الرؤساء، وهي أنه “رمز وحدة الوطن”. فرئيس الجمهورية بهذه الصفة يستطيع أن يفعل المعجزات، خصوصًا إذا كان حكمًا وغير منحاز لفريق سياسي ضد فريق آخر. وهذا ما لم نشهده في السنوات الست الأخيرة، وأن لقب “بي الكل” لم يتطابق مع الواقع، بل تبيّن أن الرئيس السابق ميشال عون لم يكن إلاّ “رئيسًا أورونجيًا”. 

وعلى رغم أن الطائف هو أفضل الممكن، كما وصفه البطريرك الراحل ما نصرالله بطرس صفير، فإن أغلبية اللبنانيين يعتبرونه خطاً أحمر، وأن تجاوزه أو تخطيه يعتبر مسّاً بالسلم الأهلي، خصوصًا أنه هو الذي أوقف الحرب في لبنان، وأن أي  أي زلزال قد يضربه سيُحدث هزات ارتدادية على المجتمع.  
أهمية “الطائف”أنه أعاد توجيه لبنان نحو العالم العربي، وبعبارة أخرى، وضع اتفاق الطائف لبنان كبلد له “هوية وانتماء عربي”. وقد شكلت الاتفاقية مبدأ “التعايش المشترك” بين الطوائف اللبنانية المختلفة وتمثيلها السياسي السليم كهدف رئيسي للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. كما أعادت هيكلة النظام السياسي للميثاق الوطني في لبنان من طريق نقل بعض السلطة بعيداً من الطائفة المسيحية المارونية التي منحت مركزاً متميزاً في لبنان في عهد الحكم الفرنسي.  
وعلى رغم أن اتفاق الطائف وضع إلغاء الطائفية هدفاً أساسياً له، فإنه بعد ثلاث وثلاثين سنة، لم يستطع النظام اللبناني التخلي عن هذه الطائفية حتى الآن، وهي بإعتراف الجميع علّة العلل. 
سمعنا في الآونة الأخيرة أصواتًا تطالب بإلغاء “الطائف”. فمَن هي الأطراف التي تسعى إلى إلغاء “الطائف”؟ ولماذا هذا السعي في هذا التوقيت بالتحديد؟ وما هي المخاطر التي تحدق بلبنان في حال إلغائه؟ وماذا تملك الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والقوى اللبنانية من أوراق للحفاظ على الاتفاق الذي جلب السلام إلى لبنان؟ 
فعلى رغم مطالبة “حزب الله” في مرحلة من المراحل بمؤتمر تأسيسي هدفه الأساسي إعادة ترسيم حدود الصلاحيات الطوائفية، بحيث تُعتمد المثالثة بدلًا من المناصفة، فأن أمينه العام السيد حسن نصرالله قال في إحدى إطلالاته إنه يتمسّك بإتفاق الطائف كإطار جامع، مع ضرورة تطبيقه كاملًا وإدخال بعض التعديلات والتفسيرات عليه. 
وهنا لا بدّ من التذكير بشعار الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما قال “أوقفنا العدّ” كردّة فعل على الذين كانوا يطالبون بالديمقراطية العددية بدلًا من الديمقراطية التوافقية أو الميثاقية، حتى أن بعض المسلمين المعتدلين، الذين يفهمون جيدًا الدور التاريخي الذي لعبه المسيحيون، وبالتحديد الموارنة، في تاريخ لبنان، وبالأخصّ الحديث منه، وأهمية هذا الدور، الذي عليهم أن يؤدّوه في المستقبل، وأن لبنان من دون “نكهته” المسيحية لا يعود لبنان، الذي نعرفه، بل يصبح بلدًا يشبه كل شيء إلاّ لبنان. 
ولذلك طالب هذا البعض بالمحافظة على المناصفة حتى ولو ما بقي في لبنان مسيحيون في لبنان إلاّ بنسبة عشرة في المئة. 
وينهي هؤلاء أنه إذا ألغي “الطائف”، الذي أنهى الحرب البغيضة، فإن شبح هذه الحرب سيعود ليطّل من جديد. 
فإلغاء “الطائف”الذي أنهى الحرب يعني ببساطة العودة الطوعية إلى هذه الحرب، ولو بأشكال متعددة أخرى.  
في المقابل فإن الذين يتمسّكون بالطائف ويدعون إلى تطبيقة بالكامل ومن دون إنتقائية، يقرّون بضرورة تطويره وإدخال بعض التعديلات عليه في الوقت المناسب.