حضور جامع ورسائل معبّرة.. هذا ما حقّقه مؤتمر الطائف

7 نوفمبر 2022
حضور جامع ورسائل معبّرة.. هذا ما حقّقه مؤتمر الطائف


في التوقيت “المناسب”، برأي كثيرين، جاء المؤتمر الوطني حول اتفاق الطائف، الذي اختارت السفارة السعودية في لبنان تنظيمه، في الذكرى 33 لتوقيع وثيقة الوفاق الوطني، فهو أتى في “ذروة” الأزمات الكبرى التي يشهدها البلد، على وقع فراغ رئاسي يبدو مفتوحًا على المجهول، وفي ظلّ أزمات اقتصادية واجتماعية ومعيشية تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، بشهادة المؤسسات الدوليّة المعنيّة.

 
جاء المؤتمر في التوقيت “المناسب” أيضًا ليؤكد “الثوابت” المرتبطة بالاتفاق، منعًا لأيّ “استغلال” للأزمة الحاليّة، التي يرغب البعض في تحويلها إلى “فوضى دستورية”، من أجل “الانقضاض”، إن جاز التعبير، على النظام الذي أرساه اتفاق الطائف عمليًا، والذي تكرّس على مدى السنوات المتعاقبة، وفي ضوء “جدل” عاد إلى الواجهة أخيرًا، حول رغبة بعض الأطراف بإعادة النظر بالنظام ككلّ، تحت عنوان “تطويره”، أو ربما “تحديثه”.
 
وإذا كان المؤتمر سجّل، في هوامشه، العديد من المفارقات المثيرة للانتباه، على غرار حضور رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي خطف كلّ الأنظار بوصفه “المرشح غير المُعلَن” للرئاسة، فضلاً عن مشاركة “التيار الوطني الحر” بصورة أو بأخرى، فإنّ العارفين يؤكدون أنّ “النجاح” كان حليف المنظّمين، بالحدّ الأدنى، من خلال التأكيد على أنّ “صلاحية” الاتفاق لم تنتهِ بعد، ولا سيما أنّ “الإجماع” كان على وجوب تطبيقه بالكامل قبل نقده!
 
فرنجية “يتصدّر”
 
برأي الكثير من المتابعين، فإنّ الحضور “الجامع” شكّل واحدة من “نقاط قوة” مؤتمر الطائف، إذ عكس أنّ “الإجماع” الذي حصده الاتفاق قبل 33 عامًا، حين نجح في وضع حدّ للأجواء الحربيّة الطاغية، لا يزال حيًا رغم كلّ ما يُحكى بين الفينة والأخرى، وهو ما برز خصوصًا على صعيد التمثيل المسيحي، الذي ضمّ كلّ القوى، على تبايناتها، بما فيها “التيار الوطني الحر”، ولو أنّ البعض اعتبر أنّ تمثيله جاء “أضعف” من تمثيل باقي الأطراف.
 
لكنّ “نجم” المؤتمر، من دون منازع، برأي كثيرين كان رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي وجّه بحضوره شخصيًا، أكثر من رسالة على أكثر من مستوى، ولا سيما من خلال المواقف التي أطلقها، فهو لم يكتفِ بالتأكيد على أنّه لطالما كان “جزءًا من الطائف”، وأنّه سيبقى كذلك، ولكنّه تعمّد القول أيضًا إنّ “حلفاءه” ليسوا ضدّ الطائف، وهو ما فُهِم على أنّه إشارة “ضمنية” لـ”حزب الله”، الذي بدا حاضرًا في العمق، رغم غيابه الطبيعيّ عن اللقاء.
 
ورغم أنّ فرنجية قال إنّه دعي ولبّى الدعوة، رافضًا الربط بين المشاركة واستحقاق الرئاسة، فإنّ المتابعين يعتبرون مثل هذا الربط “تلقائيًا”، إذ إنّ حضور فرنجية شكّل ما يمكن اعتباره “خطوة عملية أولى” على خط التأسيس لترشحه إلى الرئاسة، بل هو سعى من خلال حضوره إلى نكران وجود أي “فيتو” على اسمه سعوديًا، وتأكيد التزامه وإيمانه باتفاق الطائف، وهو ما يمكن أن يُبنى عليه في مسيرة ترشحه الرئاسية، إن كُتِب لها “الصمود”.
 
رسائل المؤتمر
 
لكن، بمعزل عن “الرسائل” التي أراد فرنجية إيصالها، والتي قد تكون “اصطدمت” برسائل “مضادة” كتلك التي أطلقها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، حين تمسّك بدعم النائب ميشال معوض في مواجهة رئيس تيار “المردة”، فإنّ “الرسائل الأهم” تبقى، وفقًا للمتابعين، تلك التي أراد المنظّمون توجيهها، والتي توحي كلّ المعطيات أنها وصلت، مسنودة بـ”النجاح الواضح” الذي حقّقه المؤتمر، حضورًا ومشاركة.
 
لعلّ أهمّ هذه الرسائل وأكثرها رجحانًا يبقى أنّ الطائف لا يزال بعد 33 عامًا على توقيعه طاغيًا، علمًا أنّ مشاركة نواب محسوبين على “التغيير” في المؤتمر، بعد “البلبلة” التي أثارتها مؤخرًا التسريبات حول نيّتهم المشاركة في عشاء السفارة السويسرية المُلغى، شكّلت بدورها إشارة إيجابية، إذ أكّدت أنّ هؤلاء النواب لا يتبنّون بعض المقولات التي طرحت في الشارع، حول الرغبة بـ”تغيير النظام”، التي فهمها البعض مسًّا بالاتفاق.
 
باختصار، نجح المؤتمر في تكريس الطائف مرّة أخرى، استنادًا إلى أنّ المطلوب تطبيقه بمختلف مندرجاته، قبل السعي لتغييره، وباعتبار أنّه لا يزال “الاتفاق الأصلح”، كما قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هامش المؤتمر، مشيرًا في الوقت نفسه إلى “ميزة” أخرى كرّسها المؤتمر، وهي أنّ المملكة العربية السعودية لم تترك لبنان، ولعلّ هذه الرسالة بالتحديد تكتسب أهمية “مضاعفة” في ظلّ الأزمات المتفاقمة.
 
بعيدًا عن “تكريس” مرجعية الطائف، وعن التأكيد على “اهتمام” الرياض المستمرّ بلبنان، فإنّ أهمّ ما في المؤتمر برأي البعض، يبقى في صورته “الجامعة” في زمن الانقسام، حيث نجح في “توحيد” القسم الأكبر من اللبنانيين على عناوين عريضة، بغياب كلّ مقوّمات “التحدّي والاستفزاز”. صحيح أنّ “ترجمة” ذلك رئاسيًا، لا تبدو متوافرة حتى إشعار آخر، لكنّه قد يشكّل خطوة أولى يمكن البناء إليها في مسار لا بدّ من عبوره عاجلاً أم آجلاً!