يجتمع قادة العالم في شرم الشيخ في محاولة منهم لانقاذ الأرض من حرارتها التي ترتفع تدريجاً، ويطالبون الدول الثرية والصناعية، بالتعويض للدول الفقيرة على ما اقترفوه بحق الأرض وسكانها، لكن من يطالب بالتعويض على الشعب اللبناني الذي تلوث بكل أنواع الانبعاثات السياسية السامة حتى وصلت درجات الحرارة الى أعلى معدلاتها، وأحرقت البلاد والعباد بلهيبها، محولة الأخضر الى صحراء جافة، قاحلة تستغيث النجاة؟
لا حياة لمن تنادي لأن من في السلطة هم أنفسهم الذين تسببوا بالتصحر وبإحراق المؤسسات الدستورية، وهم أنفسهم المعطلون والمدمرون والمقترفون والمرتكبون، وهم أنفسهم الذين يضحكون على عقول اللبنانيين، ويقنعونهم بأنهم يقومون بواجباتهم لانقاذ البلد من الشلل الشامل في حين يتقاتلون، ويختلفون ويتحسسون حتى على العبارات والألفاظ، والمضحك المبكي أنه بعد فشل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مسعاه لحوار بين الأطراف لاخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، يبدو أن الخلاف انتقل اليوم الى التسمية إن كان حواراً أو تشاوراً أو تفاهماً أو تقارباً أو تواصلاً أو نقاشاً، بحيث بات المعيار الأساس التوافق على التسمية ثم يأتي البحث في بلورة أي من هذه التسميات، وهكذا تقوم الدولة، وتعمر المؤسسات، وينتعش الاقتصاد.
على أي حال، فيما أكد الرئيس بري أن “التراجع عن فكرة الحوار لا يعني نعياً للتوافق السياسي، وأن على الأطراف أن تتشاور خلال الفترة الفاصلة بين الجلسة والأخرى للوصول إلى التوافق”، برز أكثر من سيناريو حول الحوار المرتقب في الأيام المقبلة: هناك من يقول ان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب سيتواصل مع الكتل النيابية للوصول الى مخرج ما. والبعض يتحدث عن آلية تشبه الى حد ما لقاءات الأربعاء النيابية السابقة حيث يجتمع نواب من مختلف القوى السياسية حول الرئيس بري للنقاش. كما هناك امكان لعقد لقاءات متتالية في المجلس النيابي على هامش الجلسات الانتخابية.
وسط هذه الضبابية والسيناريوهات التي تدرس علّها تؤدي الى انتخاب رئيس من انتاج لبناني على الرغم من اعتراف الكثيرين بأن التطورات الاقليمية والدولية لها التأثير الأكبر على تحديد اسم الرئيس المقبل، تحدثت معلومات عن معادلة برزت في الأيام القليلة الماضية تقتضي أن يكون رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية والسفير نواف سلام رئيساً للحكومة، الا أن مصادر أكدت لـ “لبنان الكبير” أن مثل هذه المعادلة غير موجودة وغير واقعية مع العلم أننا ذاهبون الى تسوية شاملة لكنها ستأتي بإسمين جديدين غير متداول بهما وليسا من ضمن الأسماء المطروحة على الصعيدين الرئاسي والحكومي مع التأكيد أنه لن يتبلور أي شيء في هذا الاطار قبل نهاية العام الحالي، وفي السنة الجديدة يكون لكل حادث حديث. هناك انقسام بين متساويين: قسم يريد النائب ميشال معوض، وآخر يمكن أن يسمّي اسماً أو اسمين أو ثلاثة، وعملياً ليست هناك من غالبية في المجلس النيابي، ولن يتمكن أحد من تأمين نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس. وبالتالي، خرج الموضوع من يد اللبنانيين، واليوم الكل يتطلع الى توافق اقليمي – دولي حول لبنان، وهذا التوافق يتضمن بلداناً أربعة: الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وايران. من دون هذا التوافق سواء كان مباشراً أو غير مباشر كما حصل في الترسيم البحري الجنوبي، لا يمكن الوصول الى توافق حول رئيس الجمهورية. اليوم هناك مرشحان حقيقيان: ميشال معوض وسليمان فرنجية. هل ستكون المعركة بين هذين الاسمين؟ هناك استبعاد لذلك.
وفي هذا الاطار، أكد أحد نواب الموالاة أن كل السيناريوهات المطروحة في الاعلام حول التواصل بين الكتل النيابية، تبقى في اطار الفرضيات لأن الفكرة لم تتبلور بعد، كما أن التسويات المتعلقة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التي نسمع عنها تصب في اطار التحليلات. المهم اليوم التركيز على القضية الملحة التي تتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يمكن الوصول الى الهدف المنشود اذا لم تتواصل الكتل النيابية مع بعضها البعض، وتتفاهم في أكثريتها على اسم والا ما هو البديل؟ أهم من انتخاب الرئيس هو التوافق عليه، ويحصل حوله شبه اجماع أو أكثرية من النواب لمواكبته في عملية الانقاذ لأنه سيكون قبطان السفينة في المرحلة المقبلة.
وفيما يتم التحضير لجلسة بعد غد الخميس مع أرجحية استبدال بعض الأوراق البيض بأسماء أو شعارات، أكد الرئيس بري لوفد من نقابة الصحافة أنه سيدعو الى عقد جلسة كل أسبوع وهو ملتزم بهذا الأمر، وأولى الأولويات هي لانتخاب رئيس الجمهورية، معتبراً أن “إتفاق الطائف ليس إنشاء عربياً. الطائف هو دستور ساوى بين اللبنانيين”.
وفي هذا السياق، لفت موقف لنائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الذي غرّد عبر حسابه الخاص على “تويتر”، قائلاً: “لم يطرح حزب الله خلال هذه الفترة تعديل أو تغيير النظام السياسي المرتبط بالطائف نظراً الى الحساسيات الموجودة في لبنان، ولأنَّ المشكلة ليست أساساً في التعديل أو عدمه، وإنما فلنطبق أولاً ما ورد في الطائف وبعد ذلك نرى إذا كان المطلوب إجراء تعديلات أم لا. نحن كحزب الله ليس لدينا مشروع تعديل الطائف، وليس لدينا مشروع نظام سياسي جديد”.
ولناحية التصحر الاقتصادي، لا تبدو الصورة أفضل بحيث أنه في وقت تسجل أسعار المحروقات ارتفاعاً اضافياً، أخفقت اللجان النيابية مرة جديدة في مناقشة ملف “الكابيتال كونترول”، وطلب نائب رئيس مجلس النواب النائب الياس بو صعب، الذي رأس جلسة اللجان في ساحة النجمة، من نائب حاكم مصرف لبنان ألكسندر ماراديان، مغادرة الجلسة، قائلاً له: “طلبنا حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لا حضورك فرجاءً غادر الجلسة وبلّغ سلامة أننا نريده أن يحضر شخصياً جلسة الكابيتال كونترول لا أن يوفد ممثلاً عنه، فخرج ماراديان من الجلسة وغادر البرلمان”. واثر الجلسة، أوضح بوصعب أن النقاش سيستكمل اليوم “افساحاً في المجال أمام الزملاء للاطلاع على خطة التعافي الحكومية”.
وأشار أحد النواب لموقع “لبنان الكبير” الى أن “لا وجود لأي أمر شخصي مع حاكم مصرف لبنان الذي تمت دعوته أكثر من مرة الى حضور جلسات تعني الحاكمية، ومن حق المجلس النيابي أن يستمع الى المسؤول عن ملف معين. وكان هناك نوع من استياء لدى النواب عموماً لعدم تلبية الدعوات المتكررة، كما كان هناك شبه توافق على عدم طرح الأمور الا مع الحاكم مباشرة. مع العلم أن نائب الحاكم يمكن أن ينوب عن الحاكم لمرة أو مرتين لكن ليس كل المرات، وكأن الحاكم لا يهتم بدعوة المجلس النيابي خصوصاً أن كل الوزراء والمعنيين يحضرون. على أي حال، لا نعرف ما هي الاعتبارات التي تحول دون حضور سلامة وربما تكون متعلقة بوضعه القانوني”.