كل خميس واللبنانيّون من دون عريس

9 نوفمبر 2022
كل خميس واللبنانيّون من دون عريس


نسمع كثيرًا هذه الأيام أغلبية القوى السياسية تتحدّث عن تسوية ما. ويُقاله أنه من دون هذه التسوية لا يمكن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. وعندما يُصار الحديث عن هذه التسوية يكون المقصود بها تسوية خارجية يتمّ تبنّيها والموافقة عليها في الداخل. هذا ما حصل في إتفاق الدوحة، الذي أدّى إلى إنتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية. وهذا ما حصل يوم تلاقت التسويات الخارجية مع المصالح الداخلية، فكانت “التسوية الرئاسية” بين الرئيس سعد الحريري كرئيس لتيار “المستقبل” وبين النائب جبران باسيل كونه رئيس “تكتل لبنان القوي” من جهة، وبين “القوات اللبنانية” و”التيار العوني” في ما سُمي بـ “إتفاق معراب” من جهة ثانية،  وهذا ما أدّى إلى إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا ثالث عشر للجمهورية. 

فإذا كانت التسوية تعني محاصصة بين القوى السياسية، أو ما يُعرف بـ”تناتش” ما تبقّى من جبنة السلطة، فإن مصيرها سيكون كمصير سابقاتها، لأن الرئيس المقبل الذي سيكون قائمًا على تحاصص النفوذ والأدوار والمناصب لن يكون مشروع حلّ، وهو لن يكون بالتالي أفضل من الذين سبقوه، وبالأخص في السنوات الثلاث الأخيرة، التي شهدت إنهيارًا غير مسبوق، إقتصاديًا وماليًا وحتى سياسبًا ، إذ لم تمرّ على البلاد حالات تشرذّم وتفتّت، حتى داخل الفريق الواحد، كتلك الأيام التي نمرّ فيها. 
فالبلاد لا تستطيع الصمود أكثر، وهذا ما قاله الرئيس نبيه بري،  وبالتالي لم يعد بمقدور الناس أن يتحمّلوا أكثر مما تحمّلوا حتى الآن. 
فالتسوية بمفهومها “اللبناني المسطّح” لم تعد تنفع لوضع لبنان الحالي. أمّا إذا كان المقصود بالتسوية التفتيش عن أكثر من حلّ للأزمات اللبنانية الإقتصادية والمالية والسياسية والإجتماعية والحياتية وحتى الأخلاقية، فإن هكذا تسويات يمكن أن تُنتج رئيسًا توافقيًا، بمعنى أنه سيأتي إلى الحكم بتوافق خارجي وإتفاق داخلي، وهو سيأتي لتنفيذ هذه الحلول، وإن يكن على مراحل ومواقيت تُحدّد وفق الأولويات. 
ومن دون هذا التوافق الخارجي وذاك الإتفاق الداخلي لن يستطيع أي رئيس، حتى ولو كان “سوبرمان”، أن يجترح الحلول، وهو في الأساس لن يتمكن من الوصول إلى كرسي بعبدا من دون هك تسوية، بإعتبار أن لا فريق لوحده قادر على إيصال الرئيس الذي يرغب فيه. ونتحدّث هنا عن رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية كمرشح ما يُعرف بـ “قوى ٨ آذار”، والنائب ميشال معوض كمرشح  ما يعرف بـ “قوى ١٤ آذار”.  
هذا هو الواقع. وهذا ما سيحصل في الجلسة رقم 5 التي دعا إليها الرئيس بري، والتي ستكون كسابقاتها من الجلسات العقيمة، التي لم تنتج رئيسًا، لأن “طبخة” التوافقات الخارجية لم تنضج بعد، ولأن القوى الداخلية، سواء أكانت من هذا الفريق أو ذاك الطرف، لا تزال تعتقد أنها بقوتها الذاتية قادرة على إيصال الرئيس، الذي تراه صالحًا ومناسبًا لهذه المرحلة الخطيرة التي تمرّ بها البلاد. 
إذًا، لا مفرّ من أن تأتي “التسوية”، عاجلًا أم آجلًا، شرط ألا تكون على “الطريقة اللبنانية”. ومن دون هذه “التسوية – الحلّ” سنبقى نراوح مكاننا، وسيبقى اللبنانيون يسألون كل يوم أربعاء: بكرا شو؟ فيأتيهم الجواب: بكرا الخميس، ولكن من دون عريس.