أذكر أنه قبل إتفاق معراب بنحو سنة تقريبًا إلتقيت رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، على هامش فعالية سياسية دّعيت إليها مثلي مثل سائر الإعلاميين. وفي دردشة جانبية معه إقترحت على “الحكيم” أن تعمد كتلة “القوات” إلى تبنيّ ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية كـ”حج خلاص”، إذ لا سبيل للخروج من عمق الزجاجة الرئاسية سوى بهذا الحل – المخرج. ولم أكن مقتنعًا بهذا الطرح، ولكنني طرحته لمعرفة الجواب، ولكي أطمئن.
ردّ عليّ يومها الدكتور جعجع بشيء من العصبية الرفضية، وقال لي بالحرف الواحد: “شو نحن عم نلعب هون يا أستاذ أندريه”. فأطمأنيت ولكن إلى حين… كان ذلك قبل أن يرشّح الرئيس سعد الحريري، بوصفه رئيس تيار “المستقبل” رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية. إلاّ أن لجوء الحريري إلى تبنّي ترشيح أحد حلفاء “حزب الله” الأساسيين، وهو من صلب قوى 8 آذار في وجه تبنّي “الحزب” ترشيح العماد عون، دفع قيادة “القوات”، وبالتحديد الدكتور جعجع، إلى إعادة خلط الأوراق الرئاسية. وبدأ التفكير يأخذ حيزًا جدّيًا في إمكانية دعم ترشيح عون للرئاسة.
في هذا الوقت كان عرابا “إتفاق معراب” الشعبي، قبل أن يتحوّل رئاسيًا، قد قطعا شوطًا متقدّمًا في تذليل الكثير من العقد التاريخية القائمة على الحقد بين الطرفين، إذ لم يكن من السهل التوصّل إلى كسر جليد العلاقات بينهما، وبالأخص العلاقة المقطوعة بين “الجنرال” و”الحكيم”، إذ سُجّل آخر لقاء بينهما يوم عاد عون من منفاه الباريسي وقصد زنزانة جعجع في وزارة الدفاع، قبل أن يتوجه إلى مقرّ إقامته في الرابية.
بعدما نضُجت الفكرة في رأس “الحكيم” طرحها أمام قيادة “القوات” في إجتماع وصفه البعض يومذاك بـ”العاصف”، والذي إمتدّ حتى ساعة متأخرة من ليل ذاك اليوم، حيث إتخذ قرار لم يكن بالإجماع بتأييد ترشيح العماد عون، لكن لم يُعلن عنه، وترك توقيت الإعلان إلى وقت لاحق تحدّد في ضوء الإتصالات التي أجراها النائب الحالي ملحم الرياشي مباشرة بـ”الجنرال”. وتم الإتفاق على أن يعلن ذلك في لقاء يجمع عون بجعجع مع عدد من قيادات حزب “القوات” و”التيار الوطني الحر” في معراب. وهكذا كان. وكان الطقس في الخارج عاصفًا عكس الجو الداخلي.
ويشار في هذا المجال إلى أن هذا القرار درسته قيادة “القوات”، في إجتماعها الشهير، من كل جوانبه السياسية والإيديولوجية والإستراتيجية، فكان أن عارضه عدد من النواب “القواتيين”، وعلى رأسهم النائب السابق أنطوان زهرا. ولكن في نهاية الأمر، وعندما طُرح الأمر على التصويت نال القرار الأكثرية المطلوبة لكي يصبح نافذًا وملزمًا للجميع.
وبالعودة إلى واقعنا الراهن، وبعدما ألغى رئيس مجلس النواب فكرة دعوته إلى طاولة حوار رئاسية بسبب عدم تجاوب نواب “التيار” و”القوات” لهكذا نوع من الحوارات في هذا الوقت بالذات، فإنه من المستحيل إنتخاب رئيس للجمهورية في ظل هذا الإصطفاف الحاصل على مستوى الكتل النيابية المنقسمة بين محورين أساسيين، وهما محور “الممانعة” من جهة، ومحور “السياديين” من جهة أخرى. وهذا الإنقسام، وفي ظل التشرذم الحاصل بين نواب “التغيير”، فإن لا أكثرية حتى المطلقة، لدى أي من المحورين، إذ أثبتت التجارب أن محور “الممانعة” مع نواب “التيار” لا يستطيعون الوصول إلى عتبة النصف زائد واحدًا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى “المحور السيادي” الداعم حتى الآن ترشيح النائب ميشال معوض. هذا من دون الحديث عن إستحالة تأمين أي طرف نصاب الثلثين لكل الجلسات الإنتخابية.
ولذلك، وعودة إلى الوراء، وكما سبق لي أن طرحت على الدكتور جعجع تبنّي ترشيح العماد عون، بغض النظر عن نتائج هذه الخطوة، أعود وأكرر هذا الإقتراح، ولكن بطريقة جديدة، وذلك من خلال عقد مشروع “تحالف إنتخابي” بين “القوات” و”التيار” بإعتبارهما أكبر كتلتين نيابيتين في المجلس (40 نائبًا). ومن دون هذا “التحالف” نقولها بكل صراحة إن لا رئيس للجمهورية لا في القريب المنظور ولا في البعيد غير المنظور. وأساس هذا التحالف يكون بترشيح شخصية قد تشكّل إجماعًا نيابيًا، وتحمل في تكوينها السياسي كل المواصفات المطلوبة من الجميع، والتي باتت معروفة.
الهدف من هذا الطرح هذه المرة، على رغم يقيني من إستحالته، كيقيني من معادلة الخطّين المتوازيين، اللذين لا يلتقيان أبدًا، هو جمع كلمة القوى المسيحية قبل أن تصبح كلمتهم في مهبّ الريح.
المؤمنون الملدوغون من الجحر مرّة ولا يريدون أن يُلدغوا مرتين يرون أن هذا الإقتراح “مرّيخي”، وأن لا رئيس للجمهورية اللبنانية ما لم يأتِ بنتيجة توافق دولي إقليمي. ونقطة على السطر.