الغرب يجسّ النبض.. هل يدخل على خط انتخابات الرئاسة؟!

10 نوفمبر 2022
الغرب يجسّ النبض.. هل يدخل على خط انتخابات الرئاسة؟!


يتعامل الكثيرون في لبنان مع انتخابات الرئاسة، على أنّها استحقاق “مؤجَّل”، رغم أنّ المهل الدستورية انقضت، وأنّ الفراغ حلّ ضيفًا “ثقيلاً” على قصر بعبدا، الذي يُخشى أن ينتظر لمدّة طويلة قبل أن تعود الحياة إليه، إذ إنّ لا شيء يوحي بوجود “استنفار” بين القوى السياسية لإنجاز الاستحقاق عمّا قريب، بدليل أنّ جلسات الانتخاب بعد الشغور كما قبله، تبدو أسيرة “الاستعراضات المسرحيّة”، لا أكثر ولا أقلّ.

 
ولعلّ ما يزيد من وطأة المشهد “المعقّد”، أن تعثّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية رغم الفراغ، الذي يحذر المطّلعون من أنه قد يكون “الأخطر” مقارنة بأقرانه، بالنظر إلى الظروف غير المسبوقة التي يشهدها لبنان، خصوصًا في ظلّ أزمته الاقتصادية المتفاقمة، لا يترافق مع أيّ جهود فعليّة لتجاوز الانقسامات وتغليب المصلحة العليا، حتى إنّ الحوار الذي كان يعتزم رئيس مجلس النواب نبيه بري إطلاقه اصطدم بـ”الاعتراضات والتحفّظات”.
 
ثمّة من يعزو هذا “التقاعس الداخلي”، إن جاز التعبير، إلى “رهانات” لطالما كانت موجودة لدى أطراف الصراع، على دخول الخارج على الخط، وهو ما حصل في محطّات رئاسية سابقة، وهناك من ينتظر في هذا السياق فصلاً جديدًا من “المبادرة الفرنسية” مثلاً، وهي التي لا يمكن أن تكتمل أصلاً قبل انتخاب رئيس، فهل مثل هذا الأمر وارد؟ وهل يدخل الخارج على خط الانتخابات الرئاسية، ويفتح الباب أمام اللبنانيين لإنجاز الاستحقاق؟
 “أولوية” إجراء الانتخابات الرئاسية 
حتى الآن، لا يمكن الحديث عن “مبادرات” خارجيّة فعليّة على خط الأزمة الرئاسية، بحسب ما يؤكد العارفون، الذين يلفتون إلى أنّ كلّ ما يُرصَد في هذا الإطار، من تصريحات للقادة والمسؤولين العرب والغربيين، يندرج في إطار وجوب انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، من دون الدخول في أيّ تفاصيل أو أسماء، ولو أنّ البعض يضع بعض “المواصفات” البديهيّة المطلوبة في شخص الرئيس العتيد، أيًا كان انتماؤه.
 
وإذا كان القادة العرب خصّوا الاستحقاق الرئاسي اللبناني ببند في بيان القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر، فإنّ ما استرعى الانتباه كان الموقف “المقتضب” الذي صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش مشاركتهما في “مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP27″، حيث أكد ماكرون “أولوية إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية لانتظام عمل المؤسسات”.
 
وبالتزامن مع هذا اللقاء الذي قيل في المداولات الرسمية إنّه بحث أيضًا المساعي الفرنسية لمعالجة الأزمة اللبنانية، كانت السفيرة الفرنسية لدى لبنان تواصل جولاتها بين المسؤولين، حيث رُصِد اجتماع عقدته مع رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، علمًا أنّ بعض التسريبات عادت لتتحدّث عن “تنسيق” بين باريس والرياض وواشنطن، قد يترجَم في الأسابيع القليلة المقبلة على أكثر من خطّ.
 جسّ نبض واستمزاج آراء 
إذا كان “الحراك الفرنسي”، إن أمكن ترقيته لمثل هذه التسمية أصلاً، دفع كثيرين للتكهّن بإمكانية إطلاق باريس لنسخة جديدة، “رئاسيّة” هذه المرّة من مبادرتها، بالتنسيق مع الرياض وواشنطن أو من دونه، فإنّ الأوساط المعنيّة تحصره، حتى إشعار آخر، في خانة “جسّ النبض واستمزاج الآراء” ليس إلا، باعتبار أنّ باريس تعتقد أنّ مسؤولية انتخاب الرئيس هي مسؤولية لبنانية بحت، وعلى النواب أن يقوموا بواجباتهم في هذا الصدد، من دون أيّ تقاعس.
 
ويعتقد المطّلعون أنّ شعار “ساعدونا لنساعدكم” الذي “ابتكره” الفرنسيّون حينما أطلقوا مبادرتهم الشهيرة قبل نحو عامين، والذي كرّره وزير خارجيتهم جان إيف لودريان في أكثر من مناسبة، لا يزال ساري المفعول، فعلى اللبنانيين أن يلعبوا الآن الدور المتوجّب عليهم، من أجل “ضمان” انتظام عمل المؤسسات، ما يفتح الطريق أمام إمكانية تقديم المجتمع الدولي الدعم المطلوب للبنان، وبالتالي استكمال المبادرة التي “فرملتها” الاستحقاقات اللبنانية.
 
لا يعني ذلك أنّ الخارج سيبقى “متفرّجًا” إذا ما طالت الأزمة، وفق ما يقول العارفون، الذين يعتقدون أنّ “حراكًا ما” بمعزل عن شكله، قد يُطلَق في مرحلة ما، خصوصًا إذا ما بقيت قنوات الحوار والتفاهم بين اللبنانيين مغلقة، ولو أنّ “أولويات” الغرب في لبنان وفق هؤلاء، تبقى أبعد من استحقاق الرئاسة، على المستوى الأمني بالدرجة الأولى، لحفظ الاستقرار بحدّه الأدنى، وهو ما يبدو “مضمونًا” إلى حدّ بعيد، حتى الآن على الأقلّ.
 
صحيح أنّ فرضية “عدم اكتراث” الغرب للبنان قد لا تكون دقيقة مئة بالمئة، فقد أظهرت فرنسا في أكثر من مناسبة اهتمامها بمعالجة الأزمة، وكذلك فعلت السعودية التي أثبتت من خلال مؤتمر الطائف الأخير، أنّ لبنان لا يزال على “أجندتها”. لكنّ كل ذلك لا “يعفي” اللبنانيين من مسؤولياتهم التاريخية والأخلاقية، فالكرة تبقى أولاً وأخيرًا في ملعبهم، من دون أن تكون “الرهانات” على هذه الدولة أو تلك قادرة على “إسعافهم”، إن جاز التعبير!