تشريع الضرورة.. سجال دستوري جديد في زمن الشغور الرئاسي!

15 نوفمبر 2022
تشريع الضرورة.. سجال دستوري جديد في زمن الشغور الرئاسي!


يبدو أنّ السجالات ذات الطابع “الدستوري” ستصبح “موضة الموسم” في زمن “الشغور الرئاسي”، الذي لا يبدو في الأفق ما يبشّر بإمكانية الخروج من “نفقه” في المدى المنظور، فبعدما شكّلت “صلاحيات” الحكومة محور جدل واسع، بدا “عقيمًا” في بعض جوانبه، رغم وضوح الدستور وخلوّه من أيّ التباسات تُذكَر، عاد الحديث عن مبدأ “تشريع الضرورة” ليشعل الخلاف بين القوى السياسية، المنقسمة على كلّ شيء تقريبًا.

 
ففيما بدأت الأوساط النيابية تتحدّث عن “نيّة” رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسات تشريعية في المرحلة المقبلة، تحت عنوان “الضرورة”، خصوصًا بما يتعلق بالملفّات المعيشية والاجتماعية الملحّة، والإصلاحات المنتظرة، يبدو أنّ فريق “المعترضين” سيتصدّى لذلك، وقد لوّح باكرًا بسلاح “المقاطعة” لأيّ جلسات من هذا النوع، باعتبار أنّها تمثّل في أحد جوانبها، “تطبيعًا مع الفراغ”، وهو ما لا يمكن القبول به، وفق هؤلاء.
 
وبين “الضرورات” التي يرى كثيرون أنّها قد “توجب” التشريع، ولا تجيزه فحسب، و”المحظورات” التي يتمسّك بها البعض، ممّن يعتبرون أنّ انتخاب الرئيس، ولو بدا “تعجيزيًا” في الوقت الحالي، هو “أولوية الأولويات”، التي لا ينبغي أن يتقدّم عليها شيء، تبقى “الضبابية” سيدة الموقف، لتطرح المزيد من علامات الاستفهام، عن “السيناريوهات المحتملة”، في حال طال أمد “الشغور”، وهو الخيار الأوفر حظًا! “لا تطبيع مع الفراغ”
 
بالنسبة إلى المعترضين على التئام مجلس النواب، تحت عنوان “تشريع الضرورة”، أو أي عنوان آخر غير “انتخاب رئيس الجمهورية”، فإنّ الأمر لا يمكن أن يكون “وجهة نظر”، لأنّ الدستور “واضح وصريح”، وهو ينصّ على أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة، وبالتالي لا يمكنه القيام بأيّ مهمّة أخرى قبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
 
لا يعتبر المعترضون أنّ التذرّع بـ”الضرورة” يمكن أن يبرّر القفز فوق هذه المادة الدستورية، بل على العكس من ذلك، فهو يفترض أن يكون “حافزًا” لقيام النواب بواجبهم الدستوري وانتخاب رئيس الجمهورية، بمعزل عن أيّ “حِيَل” أو “بِدَع”، على غرار اعتبار “تطيير نصاب” الجلسات حقًا ديمقراطيًا مشروعًا، وبالتالي فالمطلوب من المعطّلين “تحرير” استحقاق الرئاسة قبل كلّ شيء، وبعد ذلك التشريع وفقًا للأصول والقوانين.
 
أكثر من ذلك، لا يرى المعترضون، الذين يعتزمون تشكيل “جبهة” تتصدّى لأيّ دعوة لجلسة تشريعية، وقد سبق أن أطلقوا مسار “المقاطعة” حين خرجوا من جلسة تلاوة رسالة الرئيس السابق ميشال عون، أنّ الحديث عن “الإصلاحات” المطلوبة من الجهات الدولية، يمكن أن يكون “موجبًا” لعقد أيّ جلسات، وفقًا للمنطق نفسه، “انتخاب الرئيس أولاً، وبعدها يصبح لكلّ حادث حديث”.
 “أولوية الانتخاب”.. ولكن!
 
رغم أنّ رئيس مجلس النواب بصدد الدعوة إلى جلسة تشريعية، وفق ما يؤكد العارفون، ورغم أنّه أعلن أكثر من مرّة أنّه لن يقبل ببقاء مجلس النواب “متفرّجًا” طيلة فترة الفراغ الرئاسي إذا ما طالت، إلا أنّ أوساط كتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها، تؤكد موافقتها على مبدأ “أولوية” انتخاب رئيس الجمهورية، مشيرة إلى “حرص” الرئيس بري على الدعوة لجلسات انتخابية أسبوعية، حتى إنجاز الاستحقاق الرئاسي عاجلاً أم آجلاً.
 
لكنّ هذه الأوساط تلفت إلى أنّ ما هو “واضح” بالنسبة للجميع، هو أنّ الاستحقاق الرئاسي “متعثّر حتى إشعار آخر”، علمًا أنّ المعترضين على ما يعتبرونه “تطبيعًا مع الفراغ”، لا يسهّلون بدورهم الانتهاء من انتخابات الرئاسة، بدليل عدم اتفاقهم حتى الآن على مرشح “موحّد” يخوضون من خلاله الانتخابات، ما يؤكد اصطدام الاستحقاق بحائط مسدود، طالما أن أحدًا لا يملك الأكثرية المطلقة، حتى لو تأمّن نصاب الثلثين.
 
وتقول هذه الأوساط إنّ “التطبيع مع الفراغ” كان ليصبح في مكانه، لو أنّ بري قرّر التعامل مع الشغور في الرئاسة كما لو أنّه لم يكن، ودعا لجلسات تشريعية متتالية، من دون اعتبار للوضع الاستثنائي، إلا أنّ الحقيقة غير ذلك، إذ إنّ بري لن يدعو سوى لجلسات تتماشى مع هذا الواقع الاستثنائي، خصوصًا أنّ البلاد قد لا تتحمّل “تعميم” الشغور على كلّ أجسامها وهياكلها، في ظلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تنتهي.
 
يتّفق الجميع على ثابتة أنّ البلاد لا تتحمّل فراغًا طويلاً، وأنّ ما كان محتملاً في العام 2014، لم يعد كذلك اليوم، خصوصًا أنّ المقارنة بين الظرفين لا تستقيم. لكن، أبعد من هذا “الاستنتاج”، لا يبدو أنّ أحدًا مستعد لتقديم “التنازلات” من أجل الخروج من حالة “الشلل”، ليصبح “التشريع” الوحيد المتاح هو التعامل مع اللا منطق، في ظلّ اجتهادات وبِدَع لا تتلاقى على شيء تقريبًا!