كتب يوسف دياب في” الشرق الاوسط”: لا تشكل ملاحقة المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون التي بدأت أمس حالة فريدة في تاريخ القضاء اللبناني، إذ سبق للنيابة العامة التمييزية أن ادعت على قضاة وأحالتهم إلى المحاكمة بجرائم مختلفة، لكن أهميتها، تكمن بكسر «حالة التمرد» التي طبعت سلوك هذه القاضية منذ ثلاث سنوات، وسمحت لها بتخطي الإجراءات العقابية التي اتخذت ضدها سواء من رئيسها المباشر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أو من مجلس القضاء الأعلى ومن بعده هيئة التفتيش القضائي والمجلس التأديبي.
الإجراءات السريعة التي اتخذت ضد المدعية العامة في جبل لبنان، تفيد بأن غادة عون فقدت ميزتها التفاضلية، فور انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسية وخروجه من قصر بعبدا، وأفقدها صفة «قاضية العهد»، التي أطلقها عليها خصوم الرئيس عون بسبب قربها منه و«الاحتماء بغطائه السياسي والقانوني، ما أدى إلى إطلاق يدها في الملفات التي طالت خصومه وخصوم التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل».
تداعيات ادعاء النائب العام التمييزي على غادة عون ما زالت تتفاعل قضائياً إثر سلوك القضية مسارها القانوني، وسياسيا باعتبار أن الادعاء جاء استناداً إلى الشكوى الشخصية المقدمة ضدها من رئيس مجلس النواب نبيه بري وعقيلته رندة، بجرائم «القدح والذم والتحقير وإثارة النعرات الطائفية وإساءة استخدام السلطة». وذلك على خلفية التغريدة التي نشرتها (القاضية عون) الخميس الماضي، وأدرجت لائحة تضم أسماء سياسيين ورجال أعمال وشخصيات مصرفية بينهم بري وعقيلته، زعمت أنهم «هربوا عشرات مليارات الدولارات إلى المصارف السويسرية».
وخاضت القاضية عون عبر وكيلتها القانونية المحامية باسكال فهد، سباقاً مع الوقت قبل الادعاء عليها، وأوضح مصدر قضائي بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن المدعى عليها «رفضت المثول أمام عويدات، متجاهلة جدية استدعائها إلى التحقيق، وضاربة بعرض الحائط الأصول القانونية، اعتقاداً منها أنه سيرجئ استجوابها إلى موعد آخر، لكنها تبلغت عبر وكيلتها أن النائب العام التمييزي أعطاها مهلة ساعة واحدة للمثول أمامه تحت طائلة الشروع بملاحقتها». ولفت المصدر إلى أن عون «استشعرت خطر الإجراء الذي سيتخذ ضدها، فحاولت وكيلتها تقديم دفوع شكلية إلا أن المدعي العام التمييزي رفض تسلم الدفوع ما لم تحضر شخصياً»، مشيراً إلى أن القاضية عون «لجأت إلى الخطة (ب)، حيث قدمت وكيلتها دعوى أمام محكمة التمييز المدنية لرد القاضي عويدات، وإجباره على وقف كافة الإجراءات، وأحضرت نسخة عن المذكرة إلى مكتب عويدات وحاولت مقابلته، لكنه رفض استقبالها ما لم تمثل مع موكلتها، وهنا حضر المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، وأبلغ المحامية فهد استحالة تسلم دعوى الرد ما لم تحضر القاضية عون شخصياً». وتوجه الخوري إلى المحامية فهد قائلاً: «لن نقبل بأي مستند إلا بوجود المدعى عليها، وعلى أي حال تعلمنا من غادة عون كيف نتصرف مع هكذا دعاوى»، في إشارة إلى أن القاضية عون كانت ترفض أن تتبلغ كل دعاوى الرد التي قدمت ضدها من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومن مصرفيين، حتى لا تصبح ملزمة للتوقف عن التحقيق والمضي بإجراءاتها بحقهم.
وعلمت «الشرق الأوسط»، أن وكيلة غادة عون «عادت وتقدمت بدعوى لرد عويدات أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بداعي وجود خصومة سابقة بينه وبين القاضية، لكن ذلك لن يوقف الادعاء الذي نظم ضدها». وأفادت المعلومات بأنه «حتى لو تبلغ عويدات لاحقاً مضمون الدعوى وتوقف عن متابعتها شخصياً، فإن أحد المحامين العامين التمييزيين سينوب عنه».
وبدا لافتاً إحالة الادعاء على الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بدلاً من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والطلب من الأخير تعيين قاضي تحقيق لاستجواب القاضية، إلا أن مرجعاً قانونياً عزا الأمر إلى أن «الإحالة إلى الهيئة العامة للتمييز، يعني أن الهيئة القضائية المختصة بمحاكمة القاضية عون يجب أن يتألف من قضاة من نفس درجتها وما فوق». وقال المرجع لـ«الشرق الأوسط»، إن الإحالة «تأتي انسجاماً مع مضمون المادة 44 من قانون القضاء العدلي التي تنص على أن قضاة محاكم التمييز وأعضاء النيابة العامة لديها، ورؤساء محاكم الاستئناف والمدعين العامين لديها ورؤساء الهيئات العامة في وزارة العدل وقضاة التحقيق الأول، يحاكمون جميعاً أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، سواء وقع الجرم خلال العمل أو خارجه، وسواء كان الجرم جنحة أو جناية». وأشار إلى أن «باقي القضاة يحاكمون أمام محكمة التمييز الجزائية، وفق قانون تنظيم القضاء العدلي».