مرّت علاقة “القوّات اللبنانيّة” مع “التيّار الوطنيّ الحرّ” ولا تزال بالكثير من التجاذبات، بسبب الإختلاف السياسيّ الجوهريّ بين الفريقين الذي امتدّ إلى نبش قبور الماضيّ والخصومة القويّة إنّ في الإنتخابات النيابيّة وإنّ في إدارة الملفات الحياتيّة والسياسيّة، فلم يُكتب لاتّفاق “معراب” الشهير بينهما النجاح، بعدما كانت “الجمهوريّة القويّة” شريكاً أساسيّاً في إيصال الرئيس ميشال عون إلى بعبدا.
أمّاً حاليّاً، وبعد دخول البلاد في فراغٍ رئاسيٍّ، وتعذّر إنتخاب أيّ مرشّحٍ غير توافقيٍّ نتيجة الإنقسام الحادّ في المجلس النيابيّ، وغياب الأكثريّة لأيّ فريقٍ، تستمرّ “القوّات” في دعم ترشيح رئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض. في المقابل، يُعرّقل النائب جبران باسيل ترشّيح وانتخاب رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، في خطوة رأت فيها أوساط سياسيّة أنّها تخدم “المعارضة” وعلى وجه الخصوص معراب، التي تبحث مع حلفائها على زيادة رصيد معوّض لـ65 صوتاً، تُخوّله في ضمان العدد النيابيّ الكافيّ لانتخابه.
ولعلّ ما يجمع رئيس “القوّات” سمير جعجع بباسيل هو عدم حصول كلّ منهما على الدعم من فريقه السياسيّ، علماً أنّ كلاهما يُمثّل القوّة المسيحيّة الأكبر إنّ في 14 آذار، وإنّ في 8 آذار، لرفض فكرة “الرئيس التحديّ”، وعدم رغبة أغلبيّة الكتل النيابيّة في انتخاب مرشّحٍ “قويّ” في بيئته المسيحيّة، لتفادي إعادة سيناريو ولاية الرئيس ميشال عون.
ويعتبر مراقبون أنّ الفرق بين الرجلين هو قيام جعجع بدعم مرشّحٍ معارض ترى فيه معراب أنّه يحمل الصفات “السياديّة”، وقادر على وضع حدٍّ لممارسات “حزب الله” غير السياسيّة، ما يخدم أجندة بعض النواب في “المعارضة”، فيما يرفض في الوقت عينه السير بتسويّة جديدة قد توصل أحد المقرّبين من “حزب الله” إلى الرئاسة، وفي مقدّمتهم فرنجيّة. وخلافاً لجعجع، تقول الأوساط إنّ باسيل يقوم بتقويض جهود الضاحيّة الجنوبيّة وتصعيب المهمّة عليها بعدم التجاوب معها في إيصال مرشّحها إلى بعبدا.
وتُحمّل أوساط سياسيّة رئيس “الوطنيّ الحرّ” مسؤوليّة الفراغ لتمسّكه بترشّحه حتّى ولو لم يُعلن عن هذا الأمر، إضافةً إلى معارضته إنتخاب فرنجيّة الذي يتمنّى “الثنائيّ الشيعيّ” تأمين الإجماع عليه. وتُضيف أنّه بينما يعمل “حزب الله” على جمع الأصوات لرئيس “المردة”، وهي موجودة وخصوصاً من جهّة “المعارضة”، يعمل باسيل على عرقلة هذه المساعي من خلال وضعه شروطاً غير قابلة للتطبيق على أيّ شخصيّة قد يدعمها تكتّل “لبنان القويّ”.
وتُتابع الأوساط أنّ رئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي أطلق إتّصالاته الرديفة عن الحوار الذي طيّره “الوطنيّ الحرّ”، وبدأها مع رئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” المقرّب جدّاً من عين التينة، والذي تخاف قوى “المعارضة” أنّ يسير بتسويّة مع فريق “الممانعة” عبر انتخاب فرنجيّة، إنّ استطاع “حزب الله” أوّلاً إقناع باسيل بدعم رئيس “المردة”، وإنّ كانت الظروف الدوليّة والعربيّة ثانيّاً مُهيّئة لوصوله.
وتلفت الأوساط إلى أنّ “الثنائيّ الشيعيّ” بدأ يتحرّك باتّجاه فرنجيّة، إنطلاقاً من تأمين العدد الكافي من الأصوات له وإعلان ترشّيحه رسميّاً بعد ذلك . وتستبعد الأوساط تمكّن “حزب الله” من التأثير على خيارت الرئيس عون، فقد أثبتت التجربة أنّ موقفه مطابق لباسيل، فإذا رفض الأخير دعم فرنجيّة، سيفعل الأوّل. وتقول إنّ “التيّار” يُريد تحقيق مكاسب مهمّة في المرحلة المقبلة، والإستمرار بالتعطيل لإقناع “الحزب” بضرورة أنّ يكون رئيس الجمهوريّة الجديد صديقاً للضاحيّة كما كان عون، فهي تبحث عن رئيسٍ “لا يطعنها في الظهر”، وباسيل إمتدادٌ للعهد السابق في هذا الموضوع. من هنا، تُشير الأوساط إلى أنّ “الوطنيّ الحرّ” سيلعب أوراقه الرئاسيّة وتعطيل مساعي وصول فرنجيّة، من منطق أنّ الرئيس المسيحيّ القويّ يحمي “المقاومة”، ويُعطي شرعيّة لسلاحها.
وبينما يُفرّمل باسيل جهود “حزب الله”، إجتمع نوابٌ معارضون يوم أمس لمناقشة الإستحقاق الرئاسيّ. ورغم صعوبة التوصّل لموقف موحّدٍ بينهم في ظلّ رغبة العديد منهم بانتخاب ميشال معوّض من جهّة، وتطلّع بعض نواب “التغيير” بالتصويت لمرشّحهم الذي ينال أصواتاً قليلة في كلّ جلسة إنتخاب من جهّة ثانيّة، تبقى آمال المجتمعين في الإتّفاق على شخصيّة تحمل معاييراً جامعة لكافة مكوّنات “المعارضة” قائمة، وخصوصاً وأنّ الإتّصالات مفتوحة بينهم. ويُشير مراقبون إلى أنّ إرتفاع الأصوات التي ينالها رئيس “حركة الإستقلال” خير دليل على التقدّم وحتّى لو كان بطيئاً من ناحيّة “المعارضة”، الأمر الذي يلعب دوراً بارزاً في نجاح جهود معراب، بالتوازي مع العرقلة التي ينتهجها باسيل في صفوف 8 آذار.