يتحرّك “حزب الله” بهدوء لافت في الملفّ الرئاسي، الامر الذي بات يؤكد ان “الحزب” غير مستعجل لإنهاء الفراغ، وقد لا يكون ذلك نابعاً من رغبته في استمرار الفراغ الدستوري في رئاية الجمهورية، الا ان مصالحه السياسية تقتضي عدم تقديم التنازلات او الذهاب باتجاه تسوية متسرعة في المدى القصير.
من هنا يبدأ السؤال عن الدور الذي يرغب “حزب الله” بأن يلعبه في المرحلة المقبلة؛ فهل يريد البقاء ضمن قواعد الاشتباك السياسية الحالية، اي نصف متدخل في التفاصيل اللبنانية، ونصف معتكف وممتنع عنها، ام أنه ينوي الرجوع الى ما قبل العام 2005، ويبتعد تدريجياً عن الحياة السياسية ليتفرغ لعمله العكسري والامني والخدماتي الذي يُعنى ببيئته الشعبية.
ثمة خيار ثالث، وهو المرجح وفق مصادر مقربة، بأن يتّجه “الحزب” الى الانخراط اكثر في الحياة السياسية اللبنانية والتدخل في أدق تفاصيلها، ما يعني أن “الحزب” لن يقدّم حتماً أي تنازل في الاستحقاق الرئاسي كما ألمح بعض المراقبين بعد أن أظهر “الحزب” ليونة لافتة مع بدء المرحلة الاولى من انتخابات رئاسة الجمهورية.
عاد “الحزب” مجددا الى اعتماد سياسة فرض الشروط والمواصفات الحاسمة لرئيس الجمهورية المقبل، وهذه الشروط قد لا تنطبق عملياً الا على شخصين؛ رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. الامر الذي قاله أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله في لقائه الاخير مع باسيل. وبما أن الاخير لا يبدو مرشحاً بالنظر الى أسهمه التي لا تظهر اي ارتفاع في هذا الاستحقاق ما يؤشر الى انعدام حظوظه الرئاسية، فإن السيد نصر الله في خطابه الاخير قصد فرنجية من دون أن يسميه.
هكذا يبدو المشهد الرئاسي بالنسبة للحزب، وإذا كان تمسّكه بعدم التنازل لصالح اتمام الاستحقاق الرئاسي ستكون نتيجته المماطلة واللا حسم في الملف الرئاسي فإنه ليس مستعجلا على الاطلاق، وهذا ما اعلنه السيد نصر الله أيضاً في خطابه إذ قال بأن الاستعجال لإنهاء الفراغ لا يعني الإتيان برئيس “كيف ما كان”. لذلك فإن المرحلة المقبلة ستشهد نشاطاً مكثفاً للحزب لكنه في الوقت نفسه غير متسرع على قاعدة “مشّينا”!
وبمعنى اوضح، فإن “الحزب” سيبدأ في الايام المقبلة سلسلة اتصالات ومشاورات مع حلفائه من اجل الوصول الى تسوية ترضي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وتؤدي الى ايصال فرنجية الى سدّة الرئاسة. ولعل هذا الوقت الضائع سيصبّ في مصلحة “الحزب” لأنه يعتقد ان التطورات الاقليمية ستنقلب لصالحه مع مرور الاشهر. لذلك، بدا مفهوماً وواضحاً أن حسم الملف الرئاسي بات بعد خطاب السيد نصر الله الاخير مؤجلاً الى مدى غير محدد.