كتبت “الأخبار”: لا تزال إنعام عواد بانتظار تسلّم تعويض الهيئة العليا للإغاثة عن احتراق منزلها في الدبية في تشرين الأول عام 2019. منزل عواد (67 عاماً)، ومنازل ومحالّ وحقول أخرى، كانت ضحية الحرائق الضخمة التي شهدها قضاء الشوف بما فيه إقليم الخروب آنذاك. وللمصادفة، فقد أعقبت انتفاضة 17 تشرين، ثم الحجر العام بسبب انتشار وباء كورونا المستجدّ، ما عرف بحرائق المشرف وسواها. تعثرت الدولة وتباطأ عمل إداراتها مع انهيار قيمة الليرة اللبنانية، فما كان على المتضرّرين سوى تدبر أمورهم بأنفسهم. وإذا كانت الأضرار المادية، قابلة للتعويض مهما طال الزمن، «إلا أنّ خسائر آلاف الهكتارات من أحراج الجبل التي احترقت حينذاك، لا تُعوّض، إذ تحتاج الأرض المحروقة إلى أكثر من عشرين سنة لكي تبدأ باستعادة عافيتها» بحسب وزير البيئة ناصر ياسين. وفي غضون السنوات الأولى التي تعقب الحريق، «يجب أن يترك الموقع من دون قطع أو تشجير، بل إلى حماية فقط». لكن ماذا عن حماية المواقع الأخرى من حرائق مماثلة؟
بالأرقام، يفاخر ياسين بأن عهده شهد تراجع نسبة حرائق الغابات بنسبة 91,7% عن متوسط معدل السنوات الثلاث الماضية. وبرغم أن الأنفاس قد حُبست مع نهاية الصيف وبداية الخريف خوفاً من احتمال تكرار الحرائق الضخمة في عكار والشوف وصور، إلا أن ياسين أعلن أن «القطوع» قد مرّ بنسبة كبيرة. ووفق مرصد الحرائق، الذي شكّلته الوزارة بالتعاون مع جامعة البلمند، فقد أظهرت بياناته أن مساحة الأراضي المحترقة منذ بداية العام، 352 هكتاراً، منها 231 هكتاراً من أشجار الأرز، و39 هكتاراً من الأراضي التي تعلو سطح البحر بأكثر من 1500 متر و54 هكتاراً من الأراضي الزراعية، و90 هكتاراً من مناطق التنوع البيولوجي. في حين بلغت حوالي 2500 هكتار في عامي 2019 و2021، وحوالي 7500 هكتار في عام 2020. فلماذا تقلص خطر الحرائق مع تقلص موارد الدولة؟.مجموعات تطوّعيةيعيد ياسين السبب إلى «الخطة الوطنية للحدّ من حرائق الغابات» التي انطلقت قبل أكثر من عام، وركّزت على المواقع التي شهدت حرائق أكثر من غيرها خلال السنوات الخمس الماضية، في الشوف وعكار والضنية والمتن. وقامت الخطة على تشكيل مجموعات محلية تطوّعية تساهم في تنفيذ بنودها من التوعية والوقاية والرصد والتدخل السريع. على مستوى عكار التي تضمّ أكبر الغابات، شُكّلت مجموعات في جرد فنيدق والقيطع والجومة وعندقت بالتعاون مع اتحاد بلديات الجومة. أما في الضنية وعاليه وإقليم الخروب، فقد شُكلت المجموعة من متطوّعي فرق الإسعاف والإغاثة والطوارئ والدفاع المدني. وفي صور والبقاع الغربي والشوف، شُكلت مجموعات تطوّعية بالتعاون مع اتحادات البلديات وأجهزة الدفاع المدني.
أبرز المهمات التي أوكلت لأبناء الأرض، الرصد والمراقبة بالتزامن مع تشحيل الأحراج وتنظيف ممرّاتها وجوانبها بدءاً من موسم الربيع. نجاعة التجربة، دفعت الوزارة إلى وضع خطة خاصة لتطوير مجموعات العمل المحلي لمواجهة الحرائق. في المرحلة الأولى، جُمعت تبرّعات لتسيير العمل، منها صيانة آلية للدفاع المدني في جرد عكار وشراء سيارة كهربائية تسبر الحرج في عندقت. ولاحقاً تطوّرت الفكرة إلى تأسيس «صندوق دعم لمواجهة حرائق الغابات» يموّل عمليات التدخل السريع بتعزيز إمكانات فرق الإطفاء والدفاع المدني. ويلفت ياسين إلى أن التجربة أثبتت أن «شراء سيارات كهربائية بخراطيم طويلة مجهزة بكاميرات درونز لرصد تمدّد النيران داخل الحرج، أكثر فائدة من المروحيات والطائرات».
يقرّ ياسين بأن حماية الغابات لا تقتصر على انتظار اندلاع الحريق لمواجهته سريعاً. وضعت الوزارة خطة «إدارة الغابات» لحماية الأحراج القائمة وزيادة مساحاتها بالتشجير. المرحلة الأولى من الخطة استهدفت غابات جبيل وعكار وشملت تعزيز إمكانات مراكز الأحراج بالتعاون مع وزارة الزراعة. لكنها ستعتمد على تشكيل لجان إدارة محلية لكلّ غابة على غرار إدارة المحميات الطبيعية. أما المرحلة الثانية من الخطة، فستشمل أحراج الضنية وعاليه والشوف والمتن.