بينما يتسابق قادة العالم على تحسين ظروف بلدانهم ورفاهية شعوبهم، يتسابق المسؤولون في لبنان على تقويم المراحل بين السيء والسيء جداً والأسوأ على الاطلاق، وبذلك، يعترفون بصورة غير مباشرة بأخطائهم وخطاياهم المميتة التي ارتكبوها بحق الشعب خصوصاً وأن غالبيتهم لا تزال في مواقع القرار والسلطة منذ سنوات وسنوات.
لا جديد على الساحة السياسية أمس بعد الزوبعة التي أثارها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من باريس على خلفية مواقفه من الرئاسة، وقطَع الطريقَ أمام أي دعم “عوني” لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، مصوّباً على ترويكا التسعينيات، ما استدعى رداً عليه من الرئيس نبيه بري، في حين لم يعلّق “حزب الله” على الجبهة التي اشتعلت بين مكونات حلفائه، واستمر متحصناً خلف جدران الصمت، فربما يفضل كما جرت العادة أن يلعب دور الاطفائي بين أهل البيت في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، مع العلم أن باسيل قال أول من أمس في حديث صحافي: “لا أتفق مع الحزب بأن حماية المقاومة وسلاحها هي الهّم الوحيد الآن، ولكنني أتفهم مخاوف الحزب ويوجد جانب آخر ونحن بين الرأيين، وهناك هم آخر هو هم بناء الدولة والبرنامج الذي ينهض بالدولة”. واعتبر أن “فرنجية ليس مرشحاً توافقياً ولا يحظى بتمثيل وازن في المجلس النيابي”.
إذاً، جدران تتمترس خلفها القوى السياسية، المختلفة على كل شيء حتى على جنس ملائكة الرئيس ونوعه وفصله ومزاياه، وعلى الدستور واجتهاداته وأعرافه، في وقت يغرق البلد أكثر فأكثر ما يستدعي من زعماء الدول تكرار مطالبهم بانتخاب رئيس جمهورية في لبنان في أقرب وقت، وهذا ما دعا اليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على هامش قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ، في بانكوك، حيث بحث الجانبان الوضع في لبنان والحرب في أوكرانيا، بحسب الرئاسة الفرنسية.
وبما أن حملة المزايدات “عمرانة”، والسجالات الحادة بين مختلف الأطراف قائمة وحيوية، والاتهامات المتبادلة سالكة وآمنة، والحلول معطلة ومكربجة، على ايقاع الاخفاقات المتكررة في جلسات انتخاب الرئيس، فلا بد من التوقف عند كلمة “ترويكا” التي كانت نجمة الجبهة بين الرئيس بري والنائب باسيل الذي قال: “ان سليمان فرنجية سيعيدنا إلى الـ90، وننتقل من ثلاثية بري – الحريري – الهراوي إلى ثلاثية بري – ميقاتي – فرنجية”. ليردّ بري عليه، قائلاً: “في جميع الحالات ما كان الأمر عليه في العام 1990 نعتقد أنه أفضل مما قدم لنا في السنوات الست الماضية، والذي يتلخص بـ: عون – باسيل – جريصاتي”.
وأوضح أحد الدستوريين أن لا شيء في الدستور سواء أكان قبل الطائف أو بعده، يتحدث عن الترويكا، لكن النظام اللبناني القائم على تعدد مراكز القوى الممثلة برؤساء زعماء الطوائف منذ الاستقلال الى اليوم، كانت الحياة السياسية فيه تقوم على أساس التفاهمات بين الأقطاب السياسيين. قبل الطائف كانت ثمة ثنائية قطبية في النظام اللبناني بين الموارنة والسنّة، وبعد الطائف وأثناء مرحلة النفوذ السوري، ولكي يحكم السوريون البلاد، لعبوا اللعبة السياسية من خلال التوازن بين الرؤساء الثلاثة: الحريري – بري – الهراوي، وذلك بتوزيع مراكز القوى ومراكز القرار بين الثلاثة من دون تمكين أحدهم من الغلبة على الآخر.
أما سياسياً، فأشار أحد النواب الى أن الترويكا تظهرت بصورة فاعلة بعد اتفاق الطائف حين كانت تحصل التفاهمات بين الرؤساء الثلاثة، والتي كانت لا تناسب رأي البعض، لكن في مضمونها كانت تشكل نوعاً من التوافق بين الرؤساء بهدف تغليب مصلحة الوطن على أي أمر آخر. لا شك في أنه في الفترة الماضية، كان نظام الوصاية السورية يدفع بشكل أو بآخر في اتجاه الترويكا التي على الرغم من أنها غير دستورية، كانت تحرص دوماً على أن تصدر القرارات عبر المؤسسات، ولم تتجاوز يوماً دور مجلس الوزراء أو مجلس النواب. كانت تحصل التفاهمات على أمور تحتاج الى الحوار والنقاش، وكان الرؤساء وتحديداً الهراوي – بري – الحريري، يحرصون على التفاهم والتوافق. هذه الدينامية نتيجة الحوار، فُقدت مع وصول الرئيس إميل لحود الى سدة الرئاسة وخلال رئاسة الرئيس ميشال عون بحيث كان هناك اصرار من الرئيسين على منطق المصلحة الشخصية، والاصرار على تجاوز الجميع، اذ أن الاول كان يعتمد على الوصاية السورية، والثاني على وصاية “حزب الله”. الرئيسان اعتمدا دائماً على تغليب قراراتهم وآرائهم، مستندين الى هذه الوصاية، وهذا ما أوصل البلد الى الانهيارات والأزمات والى جهنم. الترويكا تمس بالمصلحة الشخصية لفريق ما وليس بالمصلحة الوطنية، وهذا ما رأيناه في السنوات الست الماضية حيث غلب منطق المحاصصة في كل الاستحقاقات بدليل أن أكثر من نصف العهد ساده الفراغ، والمؤسسات كانت معطلة بفعل هذا المنطق الفئوي والفردي والشخصي الذي كان يغلّب فكرة الرئيس القوي. عندما يتحدث الفريق العوني عن عودة منطق الترويكا في حال انتخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، فهو يفعل ذلك للتعمية وحرف الأنظار عن الخراب الذي ألحقه بالدولة ولبنان ويتناسى ما فعل بالبلد خلال سنوات حكمه، والانهيارات التي تسببت بها سياسته، والمحاصصة وهدر المال العام والفساد والسرقة وتجاوز الدستور والإطاحة بالقانون والمؤسسات التي أوصلت الوطن وشعبه إلى قعر جهنم.
فيما رأى نائب آخر أن إدارة البلد كانت تحصل ضمن فريق صغير من الأشخاص الذين كانوا يتخذون القرارات، وكانت المؤسسات الدستورية مسارح لترجمتها. هذا الواقع لم يتغير كثيراً في المراحل اللاحقة وحتى مؤخراً. على سبيل المثال، الاتفاق اللبناني – الاسرائيلي بوساطة أميركية على تقاسم الغاز في المياه البحرية الحدودية الجنوبية، نوع من أنواع الترويكا. ويخطئ من يعتقد أن الترويكا اندثرت، هي لم تعد ظاهرة كما كانت في زمن الوصاية السورية انما مستمرة حتى اليوم. بعد الانسحاب السوري، تحول الزعماء أو الأوليغارشيون اللبنانيون الى ترويكا من دون أن يكون هناك ضابط ايقاع سوري أو ضابط ايقاع مؤسسي فاعل. هناك مساواة في سوء الادارة بين الأمس واليوم أي خلال الترويكا وبعدها. شخصنة القرارات هي سمة النظام اللبناني المريض والمحَوَّر من دستور الى أشخاص. هذه الحالة المرضية يجب الخروج منها عبر المؤسسات القوية والفاعلة.
وبما أن المرحلة دستورية بامتياز، ومليئة بالملفات التي تحتاج الى قضاء مستقل، وتحقيقات شفافة، أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود خلال احتفال قسم اليمين القانونية لـ34 قاضياً متدرجاً أن “لا قضاء مستقل من دون تفعيل لعمل المحاكم واستكمال التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت. إنه وقت إحداث التغيير المطلوب ووقت السير في الإصلاحات الذي يتطلب ثورة في الأداء. لبناننا الجديد، لبنان دولة القانون الذي نسعى إليه جميعاً، لا يمكن أن يتحقق من دون قضاء مستقل، ولا قضاء مستقل من دون إقرار قانون جديد يضمن استقلالية القضاء”.
على صعيد آخر، أعلن وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم أن الجيش يرصد أي نشاط لخلايا إرهابية على الأراضي اللبنانية، وكشف أخيراً خلية إرهابية في منطقة طرابلس ونفذ عملية نوعية أسفرت عن توقيف عدد من الرؤوس فيها. وتبين أن من ضمن أهداف هذه الخلية تجنيد أشخاص في لبنان وتنفيذ ضربات أمنية في الداخل اللبناني تطال تجمعات بشرية، لايقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا عبر عمليات انتحارية أحادية أو مزدوجة.