انتقد كثر التصريح الذي أدلى به النائب أشرف ريفي والذي تحدث فيه عن نيّته الاقتراح في الجلسة المقبلة “تعليق جلسات انتخاب رئيس للجمهورية حتى 15 شباط من العام المُقبل”، لافتاً الى أن ثمة معلومات لديه تؤكد بأن “الوحي سيأتي” في هذا التوقيت وما يليه، مشيراً الى ضرورة “عدم الضحك على الناس، فدائماً انتخابات الرئيس تتأثر بالخارج”. وما بدا مُستغرباً ان هذا التصريح أتى على لسان شخصية عسكرية امتهنت العمل السياسي منذ سنوات، حتى أن عدداً كبيراً من النواب والشخصيات السياسية بدأت تتساءل عن مدى دقة هذه المعلومات ومصدرها.
فات النائب الطرابلسي الاطّلاع قليلاً على مسار الاستحقاق الرئاسي في لبنان، لطالما شهد في عدّة حقبات انفراجات مفاجئة مرتبطة ربما بتسويات اقليمية او ربما باستغلال داخلي للحظة انشغال دولي لتمرير الاستحقاق بتوافق القوى السياسية المحلية او بفكرة غالب ومغلوب.وإذ غفل النائب أشرف ريفي عن أنّ الدعوة لتعليق جلسات مجلس النواب تتناقض كلياً مع دعواته المستمرة لتفعيل عمل المؤسسات وانتظامها وعدم تعطيلها في لبنان، فإن اقتراحه الطلب علناً من رئيس مجلس النواب نبيه بري تعليق جلسات المجلس النيابي، حتى وإن توالدت لديه قناعات باستحالة الوصول قريباً الى نتائج ايجابية في الملف الرئاسي، هو التعطيل بعينه، حيث ان الف باء عمل المؤسسات الدستورية يقتضي انعقاد جلسات متواصلة من أجل ايصال شخصية توافقية الى سدّة الرئاسة وعدم انعقادها يعني استمرار الفراغ حتى نضوج تسوية ما تؤثر على هذا الاستحقاق وتدفع نحو إتمامه.
من جهة اخرى، لا بدّ من طرح التساؤلات حول موقف الرأي العام من تصريح ريفي، أو بأقلّ تقدير موقف حلفائه والقاعدة الشعبية التي منحته اصواتها في الانتخابات البرلمانية الاخيرة على أساس الشعارات التي خاض بها معركته السياسية وأسّس عليها توسيع لقاءاته النيابية. فهل سقط شعار “لبننة” الاستحقاق الرئاسي وسقط معه منطق “السيادة” و “استعادة القرار” التي أمسك بها ريفي طوال السنوات الفائتة؟ إذ إن غمزه من قناة “الوحي” – التأثير الخارجي، يلغي حتماً العناوين التي رفعها، ويفرض من جديد واقعاً تقليدياً يعكس اساساً طبيعة التركيبة اللبنانية وتأثرها بالتجاذبات الخارجية.يحاول النائب اشرف ريفي الظهور دوماً بمظهر المطّلع على الشؤون الاقليمية والدولية، لذلك فقد تدحرج منه هذا التصريح من دون إدراكه بأنه سهم أصاب به نفسه بعد أن دأب على التصويب به نحو خصومه، سواء لجهة التبعية للخارج، او تعطيل دور المؤسسات أو التسليم الكامل للغطاء الخارجي الذي يؤمّن اجراء الاستحقاقات الدستورية في البلاد.
تصريحات ريفي تُضاف الى عدد من التصريحات التي بدأ النواب الجدد يطلقونها يميناً وشمالاً من دون القدرة على احتواء الرأي العام واقناعه بالشعارات “الفضفاضة” التي تعالت قبل الانتخابات النيابية، خصوصاً وانهم بدوا مؤخراً غير مطّلعين على التوازنات الداخلية والواقع السياسي اللبناني بأدق تفاصيله وتحديداً الملف الرئاسي الذي لا يزال يخضع الى العديد من الاعتبارات الداخلية والاقليمية والدولية.وبمعزل عن مدى جدية تصريح ريفي الاخير او حتى مدى دقته، سيّما وان الدعوات الدولية لانجاز هذا الاستحقاق في موعده الدستوري لا تزال في خانة التمنيات إذ لم تنطلق بعد عجلات الحراك الدولي على خطّ بعبدا، غير ان “الضحك على الناس” لا يكون في الاصرار على الدعوة لعقد جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، بغض النظر عن العثرات والعقبات، بل يكون فعلياً في تعليقها ريثما تصل الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي، وعليه يصبح شعار الحرية والسيادة مجرّد سراب!