لبنان، شأنه شأن سائر الدول، انتقل الاهتمام فيه إلى كأس العالم، رغم أنّ الأزمة الاقتصادية فرضت نفسها، ليخفّ تدريجًا “التشنّج” الذي بدأ يعلو في الأيام الأخيرة، على خلفية الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا بعد المواقف التي أطلقها رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل من باريس.
ورغم أنّ الخطابات حافظت على وتيرتها المرتفعة منذ “تسريبات” باسيل، وما أعقبها من سجالات يقال إنّ “حزب الله” يعمل على ضبط إيقاعها إلى حدّ بعيد، إلا أنّ حديثًا يتصاعد في الوقت نفسه عمّا يشبه “الهدنة الرئاسية” التي ستترافق مع كأس العالم، لتراوح الأمور مكانها لما بعد انتهاء المونديال، وشهر الأعياد بالتوازي، بانتظار “التسوية” التي حدّد البعض توقيتها عند رأس السنة، وإلا فالخيار البديل، أي “التصعيد”.
يقول العارفون إنّ لا جديد مرتقبًا في الأسابيع القليلة المقبلة، حيث ستراوح الأمور مكانها في الداخل، إذ إنّ جلسات الانتخاب الرئاسية ستتواصل وفق “الروتين الأسبوعي” نفسه، حيث سيواصل رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسات كلّ خميس مخصّصة لانتخاب رئيس، لن تفضي إلى أيّ تغيير جدّي على المعادلة، طالما أنّ الفريقين باقيان على موقفهما، من دون أن تلوح لدى أيّ منهما القدرة على “فرض” مرشحه، أو تحسين “حظوظه”.
ويُعتقَد أنّ الأمور ستراوح مكانها أيضًا على مستوى المواقف السياسية، وإن مالت التوقعات نحو تخفيف التشنّج بعض الشيء في المرحلة المقبلة، بما يسمح بتمرير فترة المونديال بأقلّ الخسائر الممكنة، خصوصًا أنّ معلومات متوافرة تشير إلى أنّ “حزب الله” بدأ وساطة لتهدئة الأجواء بين حليفيه، باسيل وفرنجية، رغم “الامتعاض” من أداء الأول الرئاسيّ، وهو ما تُرجِم بقرار شبه مُعلَن من الثاني بعدم الردّ على باسيل، أو أيّ قيادي آخر في “التيار”.
ولن يكون مُستبعَدًا بالتوازي مع كلّ ذلك، أن يعيد رئيس مجلس النواب نبيه بري تحريك “المياه الراكدة” من أجل إحياء فكرة “الحوار الوطني” التي كان قد طرحها قبل فترة، إلا أنّها اصطدمت بتحفظات واعتراضات “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، بعنوان مُعلَن هو التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن آخر غير مُعلَن قد يفوقه أهمية، هو “تكريس” الحدّ الأدنى من الاستقرار، والتهدئة لتمرير الشهرين المقبلين، “المفصليّين” وفق تعبير البعض.
قد لا يكون هناك من تفسير “واقعي” لما يحلو للبعض وصفها بـ”الهدنة الرئاسية” في هذه المرحلة، طالما أنّ لا شيء يوحي بأنّ شيئًا سيتغيّر من الآن وحتى نهاية العام، أو بداية السنة المقبلة، ولو أنّ عددًا من الأفرقاء كانوا قد ربطوا أيّ تغييرات في المواقف السياسية المتصلّبة بهذا التوقيت، علمًا أنّ هناك من يربطه أيضًا بالأوضاع العامة في المنطقة، في ظلّ “انكفاء دولي” عن متابعة الواقع اللبناني في هذه المرحلة.
بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ هذا الأمر إن دلّ على شيء، فعلى أنّ اللبنانيون يكادون يقولون جهارًا إنّهم سلّموا أمرهم إلى الخارج، وبالتالي فإنّهم ينتظرون “الفرج”، أو بالحدّ الأدنى، “الوحي” من الخارج، رغم كلّ ما يُحكى بخلاف ذلك في الأوساط المحلية، عن ضرورة الذهاب إلى انتخاب رئيس “صُنِع في لبنان”، بدل انتظار “التعليمات” التي قد تأتي على شكل “تسوية كبرى” قد تكون شبيهة بتلك التي أفضت إلى انتخاب الرئيس السابق ميشال عون قبل ستّ سنوات.
إلا أنّ هناك من يعزو الأمر أنّ أيّ حل “لبناني محض” يبدو متعذّرًا الآن، طالما أنّ اللبنانيين يرفضون الحوار في ما بينهم، ولا يسهّلون عملية التوافق التي تبدو “إلزامية” لتحرير استحقاق الرئاسية، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ الملف اللبناني سيغدو بنتيجة ذلك، “أسير” التجاذبات الإقليمية والدولية، علمًا أنّ المنطقة بأسرها تبدو الآن في مرحلة ترقّب، لا يُعتقَد أنها ستطول، على أن يكون ملف لبنان “بندًا” على جدول أعمال القوى المتصارعة.
بمُعزَل عما إذا كان الحلّ لبنانيًا محضًا، أم خارجيًا بالمطلق، أم مزيجًا من الإثنين، فإنّ الثابت أنّ لا شيء في الأفق المنظور، وأنّ الأمور كلّها متروكة لمرحلة مقبلة، على أنّ رفع الأسقف بالشكل الذي حصل الأسبوع الماضي مثلاً، لا يعدو كونه محاولة لتحسين الأوراق التفاوضية من قبل كل الأطراف، أوراق لا يُعرَف ما إذا كانت ستبقى “نافعة”، إذا ما طال أمد الشغور الرئاسي، الذي يتّفق الجميع على أنّه لا يشبه سوابقه أبدًا..